إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) بيان الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، أمام المؤتمر العام السابع عشر للحزب فى 27 سبتمبر 1974
جريدة " النهار "، العدد الصادر في 28 سبتمبر 1974، ص 3 - 4 .

         وفي هذا الحال، نقسم لبنان دولتين فنصبح صوتين، ومقعدين، ورقمين كالمصير الذي آلت إليه دولة قبرص مثلاً!! طموحا أن يحقق لبنان ذاته، بصفته وطن حريات، وملتقى حضارات، وهي أوصاف لا تدرك معانيها إلا عندما نتذكر كم من أديان ومذاهب ومعتقدات تتفاعل، وإلى أي حد الإنسان فيه حر في إيمانه ومعتقده، وكم هو صالح وجميل هذا الوجود الإنساني الذي لم يكن له مثيل في التاريخ. وطنا نموذجيا نريد لبنان ومقياسا عالميا وطريقة حياة جديدة يؤخذ بها حثيما تتعثر الحياة بسبب الفوارق في المعتقدات، حجة عربية، ومشعلاً، وعلما في أيدي العرب يطوفون به العالم عنوان محبة وتسامح وانفتاح حضاري، وأداة نضال وكفاح أيضاً ضد العنصرية والعصبية المذهبية والتحجر والرفضية. فلا مبرر لوجوده إلا أن يكون هذا النموذج وتلك الرسالة. فليس المهم أن نعيش بل المهم أن نحيا وأن نكون رسل حياة فضلى. هذا هو طموحنا.

         وإذا خيل إلى بعضنا أنه خروج على الطموح العربي، وانحراف عن خط الحياة العربية، وانسلاخ عن عالمنا ومحيطنا، فتقدير خاطئ، لا قيمة للبنان هذا، بل إنه لن يكون، في معزل عن العالم العربي وفكره وحضارته وقيمة. ولا معنى له إلا إذا كان درة عربية، وخلاصة لما في طموح العالم العربي من قيم وحضارة وفكر وانفتاح على بقية القيم والأفكار والحضارات. ولا فضل للتعايش المسلم - المسيحي في لبنان إلا إذا أنبت درة كهذه. ولا فضل للمسيحيين على مسيحيتهم وللمسلمين على إسلامهم، إلا إذا أتاحوا للإسلام والمسيحية أن يتبادلان ما فيهما من غني وثراء روحي، وأن يرتفعا بالإنسان هكذا إلى أعلى مدارك العقل والروح.

         ساعة يصبح لبنان بهذه القيمة، ونكتنفه على هذه الصورة، ونتحد فيه اطهارا من كل أنانيتنا، هل تبقى طائفية، وهل يبقى حذر مسيحي من هنا وإحساس بالظلم من هناك؟ حول هذه القيمة يجب أن ينعقد الحوار بين اللبنانيين. أقول حواراً وليس مفاوضات لاقتسام المغانم والمناصب والمراكز كما هي الحال في بعض الأحيان. إنما كحوار الأربعينات الذي بدأ هو أيضاً من هذا السؤال: أي لبنان نريد؟ السيد المستقل؟ أم ذاك الذي يستعين بالحماية الأجنبية ليبقى، ولكن، غريبا عن محيطه؟ وكان ذلك الاختبار التاريخي! خطوة، تتطلب الآن خطوة مماثلة تاريخية هي أيضاً، والأوطان، في أي حال، تبنى هكذا، خطوات متلاحقة إلى الأمام. والاستقلال، كما قالت الكتائب في الثلاثينات، خلق مستمر. فحري بنا بعد هذه المسيرة، أن نتوقف قليلاً، لنراجع حساباتنا، ونتساءل: لبنان إلى أين؟ أي درب دربه، وأي آفاق آفاقه؟ ... أم يبقى بلا دروب ولا آفاق؟؟ .. ولا بأس في هذه الأثناء، أن نتدبر أمر المناصب والمراكز. فليس قصدنا التخدير، تخدير المطالب وتجميدها وإلهاء أصحابها.

         ففي الأمس القريب خطونا خطوة في هذا المجال، أردنا نحن مقياساً للوقوف على أمنية البلاد للانتصار على عقدها. نذكر هنا، أن مؤتمر الكتائب عام 1970 أوصى بالإقلاع عن الخلافة الطائفية في المديريات العامة ورئاسات المصالح والدوائر والاكتفاء مؤقتا بحفظ النسب في صورة إجمالية تمهيداً لإلغاء الطائفية كليا. كان ذلك قبل التشكيلات الإدارية الأخيرة بأربع سنوات تقريباً، وفي وقت لم تكن مسالة المشاركة مطروحة. ولما صدرت هذه التشكيلات، كان لنا موقف وللآخرين موقف، الفرق بينهما فارق تقدير لظروف البلاد وأحوالها. كان تقديرنا، مثلا، إن التجربة التي مضى عليها ربع قرن ويزيد، تستأهل أن نجري عليها هذا الاختبار، فإذا كانت لا تتحمله، بعد هذه المدة وكل هذه التضحيات، فمعناه إنها تجربة لا تستحق الحياة! وعندي أنه إذا نظرنا دائما إلى مثل هذه الأمور بصفتها خطوات لتعميق الثقة، وعملية اختبار للثقة نفسها، تهن علينا الحلول وتسهل الدروب. فاي مانع مثلا، أن يضار اليوم إلى

<7>