إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) بيان الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، أمام المؤتمر العام السابع عشر للحزب فى 27 سبتمبر 1974

جريدة  " النهار "، العدد الصادر في 28 سبتمبر 1974، ص 3 - 4.

         فمثلما يرفض المسلمون أن تكون حالهم حال أقلية في لبنان، كذلك يتصدر المسيحيون أنه أمام كثرة من احتمال يردهم إلى مثل هذه الحال، حال الأقليات في الشرق.

         ومن هنا يفهم تمسكهم بالضمانات التي أعطيت لهم في الأربعينات، وتدرك هموم استقلالية وليست دينية أو مذهبية او طائفية. وليعذرنا هنا الذين يأخذون علينا تصورنا الواقعي للبنان وتاريخه وأحواله. فليس أسهل علينا من أن نقول مع القائلين أن الطائفية في لبنان مصطنعة ومفتعلة. وليس أهون علينا من أن نقول أيضاً مع القائلين إن الطائفية هذه تزول بمجرد إزالة النظام الطائفي. وليس أحب على قلوبنا من أن يكون لبنان فعلاً، كما تقول هذه التصورات والنظريات، التي ما استطاعات حتى الآن أن تحرر اللبنانيين من عقدهم. على العكس من ذلك، ضاعفت من مخاوفهم.

         طبعاً، لبنان اليوم، ليس لبنان الأربعينات، والعالم قد اجتاح القمر وبقية الكواكب، والحياة تبدلت إلى حد، يبدو الكلام على ما بين اللبنانيين من اختلافات وتباين في الرأي والنظرة إلى لبنان، كأنه كلام قديم عتيق لا يقوله إلا القدماء، والعتاق، شيوخ الماضي ومخلفاته!

         لكن كل هذا لا ينفي واقع الحال الذي إذا تحدثنا عنه، فلكي تكون عمليتين ولا نفرق في النظريات، أو نظل في حدود التمنيات، لبنان، فعلينا، هو كما وصفته، وهذه هى أحوال المسيحيين، وأحوال المسلمين أيضاً.

         ولا ينقذه وينقذ أبناءه من أحوالهم إلا إذا اتحدوا في طموحهم وآمالهم، ألي أي لبنان يطمح المسلمون؟ وإلى أي لبنان يطمح المسيحيون؟ لبنان الدولة العصرية العلمانية يقول بعضهم، لبنان المجتمع المتدمن الذي لا تمييز بين أبنائه ولا تفريق، المتحرر من الاقطاعية والنفوذ الأجنبي، إلى آخر السلسلة.

         لبنان كيف نريده
         في اعتقادي أن السؤال لا يطرح من هذه الزاوية، لأن الاختلاف يذر قرنه من زاوية أخرى، فإذا صورة لبنان، لبنان المستقل، هنا، تتغير وتتبدل، قياساً على تبدل الانتماءات الدينية أو الطائفية. تلك هي الحقيقة دون لف أو دوران. ومن هنا كان السؤال الذي عرضناه مدخلاً إلى الحوار والتفاهم: أي لبنان نريد؟

         من جهتنا نريد لبنان متفوقاً، بديلا لكل اللبنانات الأخرى، وأقرب ما يكون إلى طبيعته وتاريخه ومركزه وخير أبناءه خير العرب وخير الإنسانية أيضاً.

         لقد رفضنا في الماضي، أن يكون لبنان مثلما كانت إسرائيل! ويعز علينا اليوم أن يصبح بلداً عادياً، دولة مثل بقية الدول الصغيرة، عضوا في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، أو كأي دولة من دول العالم الثالث. ليس مكابرة أو تعاليا على الدول والأمم الأخرى التي قد تكون أفضل منا بكثير في أكثر من ميدان ومجال، العكس هو الصحيح، إننا أبعد ما نكون عن هذه المنهجية التي لا تتفق أبداً مع طبيعة بلادنا الإنسانية. في كل بساطة، نريد لبنان غير ( موناكو ) مثلا، وغير ما في العالم العربي من دول لكل منها دورها ورسالتها ومركزها ومكانتها. نريد أن نضيف شيئاً جديداً إلى القوى العربية، ودوراً آخر غير الأدوار الأخرى. إذا ما فضلنا وما الذي يبرر وجودنا كوطن سيد مستقل، إذا كانت المسألة فقط مسألة تعايش سطحي بين مسيحيين ومسلمين؟ وما فضلنا وما يبرر وجودنا، إذا كانت المسألة صوتاً إضافياً في جامعة الدول العربية أو في المنظمات والمحافل الدولية.

<6>