إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) بيان الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، أمام المؤتمر العام السابع عشر للحزب فى 27 سبتمبر 1974
جريدة " النهار "، العدد الصادر في 28 سبتمبر 1974، ص 3 - 4.

         يجب أن يدرك المسيحيون كم يتأذى لبنان من هذه الحال. يجب ان يستذكروا دائماً الفوارق الاجتماعية بين المتن وكسروان مثلاً، من جهة، وعكار والهرمل والجنوب من جهة ثانية، لا تزال فوارق بالغة فاتكة تترك أثرها الكبير العميق في النفوس والقلوب.

         من الضروري أن يأخذوا علماً بهذه الحقيقة ويتصرفوا على أساسها. من الضروري أن يكونوا عونا للمسلمين في ممارسة الضغوط على الدولة لكي تتحرك وتعمل دائماً في هذا الاتجاه، إن مصلحتهم بالذات تقضى بذلك، لأنهم هم أيضاً محرومون في غير منطقة من مناقطهم، متساوون أحياناً من هذا القبيل، مع إخوانهم المسلمين.

         أما مسألة المناصب والمراكز وما إليها، فمسألة معقدة، المهم بالنسبة إلى المسيحيين وبالنسبة إلى كل اللبنانيين أيضاً، ألا تعتبر المنصب امتيازات أو اقطاعات، فهى في الأساس، ليست كذلك، إنها ضمانات، وأداة لإشاعة الاطمئنان وتعزيز الثقة، فمتى تأمن ذلك انتقت الحاجة إلى هذه الضمانات وتحققت المساواة من هذا القبيل.

         وفى المقابل، ننتظر من اللبنانيين المسلمين تفهماً آخر لحقيقة مشاعر إخوانهم اللبنانيين المسحيين.

         إنه لمن الضروري مثلاً ألا يغيب عن أذهانهم، أن التخلف ليس وقفاً عليهم وعلى مناطقهم، فهو أيضاً في مناطق أخرى عديدة. فمنطقة البترون المسيحية محرومة مثل أية منطقة إسلامية، ناهيك بالمناطق المختلطة حيث يتقاسم المسيحيون مع المسلمين شظف العيش، وفقدان الأمن والعدل والاستقرار أيضاً.

         فالمسألة، هنا، مسألة تنمية اقتصادية واجتماعية، ومسألة عجز في الدولة ومؤسساتها ودوائرها، ومسألة حكم أوضاعه هي أيضا متخلفة، ولا شأن للمناصب ومراكز النفوذ في ذلك. وسواء كان رئيس الجمهورية مارونياً أو غير ماروني، تبقى المسألة مطروحة ما دام الحكم في أوضاعه الراهنة وما دام الصراع السياسي والذهنية السياسية في أحوالهما المتخلفة أيضاً. وعندما يكون الواقع كذلك، يبدو مطلب المشاركة، في نظر المسيحيين، كأنه مطلب آخر! وأنا هنا، لا أتكلم من موقع المسيحيين، بل من الموقع الذي يتيح لي الوقوف على حقيقة مشاعرهم وعلة ماهية مشاعر المسلمين أيضاً. فمخاوف المسيحيين، مخاوف قديمة متأصلة في النفوس، تماماً ( كأصالة ) التخلف الاقتصادي في المناطق الإسلامية، فمن المستحيل، أن نعوض في عشر سنين، أو في عشرين سنة ما صنع الاضطهاد الديني وتسبب فيه على مدى فترات عدة من تاريخ هذه المنطقة. فكيف إذا جاءت هذه الفترة حافلة هي أيضاً بما يعزز الخوف ويعمقه في النفوس أحياناً؟!

         وإذا بدأ الحذر هذا للمسلمين تشكيكاً في ولائهم للبنان، فخطأ في الرؤية، والمسألة، في اي حال، كناية عن إحساس لا يستأصل إلا بإحساس آخر يتفوق عليه ويغمره، عنيت بذلك الشعور بالأمان، فبمقدار ما يقوى هذا يضعف ذاك وبالعكس.

         وإذا قيل أن استقلال لبنان، الذي طالما أقلق بال المسيحيين واقع مسلم به ونهائي، يؤمن به المسلمون قدر إيمان إخوانهم المسيحيين إن لم يكن أكثر، فدلالة أخرى على أن المسلمين ما أدركوا بعد حقيقة القلق المسيحي من هذا القبيل، إنه خوف من طغيان معين. طغيان سياسي، طغيان حضارة على حضارة، طغيان فكر على فكر، طغيان عددي، سمه ما شئت!

         يدرك المسلمون هذه العقدة، متى تذكروا شعورهم هم بالذات إزاء ما يوصف أحياناً من قبل بعضهم بالأثرة والاستئثار بالسلطة والتسلط، وما إليها من أوصاف تطلق غالباً على النظام اللبناني وأوضاع الحكم المنبثقة منه.

<5>