إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) مذكرة عن عهود بريطانيا العظمى للعرب
"ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 677 - 682"

        وأخيرا اشتمل الكتاب الثانى الذى بعث به السير هنرى مكماهون الى الشريف حسين، على التعهد، وفيه يذكران بريطانيا العظمى تعترف للعرب بالاستقلال في كل المناطق الواقعة داخل الحدود التى اقترحها شريف مكة، والتى يسع بريطانيا فيما يتعلق بها أن تتصرف بحرية بدون اضرار بمصالح حليفتها فرنسا. وفي هذا الكتاب، والكتاب الذى تلاه في 14 ديسمبر، مع استثنائه لمناطق معينة من سوريا، بضرورة مراعاة بريطانيا العظمى مصالح فرنسا. ويخلص من هذا انه اذا وجدت بريطانيا العظمى في نهاية الحرب انها حرة في التصرف فيما يتعلق بأى جزء كانت ترى أنها مضطرة الى الاحتفاظ به من أجل فرنسا، فان التحفظ يفقد دواعيه ومسوغاته وكل قوة كانت له، حينما وضع. وينتج من هذا أن الجزء الذى لا يدخل في دائرة المصالح الفرنسية - كما حدث فيما يتعلق بفلسطين - يجب أن يبقى لعدم وجود اتفاق آخر على خلاف ذلك في منطقة الاستقلال العربى، التى اقترحها الشريف حسين وقبلتها بريطانيا العظمى.

        وهنا، يجب أن نشير الى اختلاف مهم بين النص الانجليزى الرسمى والنص العربى لكتاب السير هنرى مكماهون، المؤرخ في 14 ديسمبر 1915 فإن السير هنرى عند كلامه على استثناء ولايتى حلب وبيروت، يقول: إن لحليفتنا فرنسا مصالح " فيهما كلتيهما ". والكلمتان المحصورتان بين أقواس غير موجودتين في النص الانجليزى الرسمى. ولكنهما موجودتان في النص العربي الذى تلقاه الشريف حسين، وقيمة هذين اللفظين انهما يدلان على أن السير هنرى مكماهون لم يكن يفكر الا في هاتين الولايتين، وانه لا يمكن أن يكون قد فكر في منطقة ثالثة خارج ولايتى حلب وبيروت.

        وقد صرح السير هنرى مكماهون في رسالة منه الى جريدة التيمس نشرتها له بتاريخ 23 يوليه 1937 بأنه لما قطع العهد للشريف حسين لم يكن يقصد أن تكون فلسطين داخلة في منطقة الاستقلال العربى، وان كل شىء فى ذلك الوقت كان من شأنه أن يحمله على الاعتقاد بأن الملك حسين كان يدرك تماما أن فلسطين ليست داخلة في التعهد.

        وهذا التصريح الذي أفضى به السير هنرى مكماهون لا يثبت على الفحص فان وظيفة السير هنرى كانت وظيفة وسيط مكلف بمهمة، هى ان ينفذ السياسة التى رسمها رؤساؤه الرسميون وإبلاغها الى الشريف حسين، طبقا للتعليمات الصادرة اليه من وزارة الخارجية، ولم تكن وظيفته رسم هذه السياسة وحتى لو كان من الجائز ان يرجع المرء الى النية المستورة وراء العبارة لابطال المعنى الصحيح العادى لهذه العبارة، أو تشويهها، فليست نية السير هنرى هى التى يعول عليها، ويرجع اليها، بل نية الوزير المسئول - وهو في هذه الحالة وزير الخارجية وبتعليماته كان السير هنرى مكماهون يعمل. فاذا جاز ادخال النيات في الحساب على الرغم من المعنى الجلى للالفاظ المستعملة، فان من الواجب الرجوع في تبين هذه النية الى ما عسى ان يكون موجودا بين محفوظات وزارة الخارجية، لعل شيئا منها يكشف عن نيات الوزير. وهنا ما يشير الى هذه النية في خطاب ألقاه الفيكونت جرى اوفالودين بمجلس اللوردات في 27 مارس 1923. وقد ألحقت الفقرات الخاصة بموضوعنا من هذا الخطاب بمذكرتنا، واردفت بالملاحظات التى أدلى بها اللورد باكماستر يومئذ، وقد بين الفيكرنت جرى أنه يشك شكا جديا في صحة

<4>