إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) 3 - نص خطاب الدكتور / محمد صلاح الدين (باشا) وزير الخارجية ورئيس وفد مصر لدى الدورة السادسة
للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ألقاه أمام الجمعية العامة في باريس يوم 16 نوفمبر 1951
"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 693 - 703"

ولكن سبعين عاما لم تكن كافية لدى الإنجليز لإعداد جيش مصرى واف، حسن التدريب والتجهيز - جيش لمصر - مصر نفسها التى كان لها قبل أربعين عاما من الاحتلال البريطانى جيش جبار، استدعى القيام بعمل مشترك من جانب بريطانيا العظمى وروسيا وفرنسا ليكبحوا جماح ما اعتبروه مغالاة فى التوسع من جانب مصر.

          ولو كان الإنجليز مخلصين فيما ادعوه من أنهم احتلوا مصر لخير المصريين، أو لو أنهم احترموا تعهداتهم فى سنة 1936 وما قبلها لأصبح الجيش المصرى اليوم قوة يعتد بها ويعتمد عليها فى الدفاع عن السلم والنهوض بنصيبه الكامل فى المسئوليات التى ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.

          ولكن الإنجليز لم ينسوا أبدا، ولو للحظة واحدة، غرضهم الأثيم. وهو استبقاء جنودهم إلى الأبد فى أرض مصر. ومن أجل ذلك لم ينسوا أبدا أن يسوفوا، إلى غير حد، فى تقوية مصر والجيش المصرى. فعلوا كل ممكن ومتخيل ليبقى الجيش المصرى وهما من الأوهام، وليمزقوا تعهداتهم بتدريبه وتسليحه فإذا هى كالركام. وكلما وحيثما اجتهدت مصر فى الحصول الأسلحة من بلاد أخرى أحكمت المملكة المتحدة كيدها ففوتت على مصر غرضها.

          ولم يكن هذا العمل على شدة خطره. الانتهاك الوحيد من جانب الإنجليز لمعاهدة 1936 فى روحها ونصها. فهم لم يتورعوا عن أن يطأوها بأقدامهم ويمزقوها إربا إربا. لم تشعر مصر فى أى يوم أن المملكة المتحدة تعنى الوفاء بالتزاماتها أو تحترم المحالفة المزعومة بين البلدين. عدوان بعد عدوان على حقوقها. وإخلال إثر إخلال بسيادتها. ولم يكن المعتدى غير ذلك الذى يزعم ولا يزال يزعم لنفسه أنه حليف مصر. ولكى أعطيكم بعض الأمثلة القليلة على صحة ما قدمت، أذكر أنهم تجاوزوا المناطق المحددة فى معاهدة 1936 لمرابطة قواتهم المسلحة. كما تجاوزوا عدد القوات المسموح به فى هذه المعاهدة. وأنهم رفضوا الخضوع للإجراءات الصحية والجمركية التى يفرضها القانون المصرى. وأنهم اتخذوا فى المسألة الفلسطينية وما زالوا يتخذون خطة عدائية عرضت مصر لأشد الأخطار مع أنهم ملزمون بمقتضى المعاهدة بألا يتخذوا فى علاقاتهم الخارجية موقفا يتعارض مع المحالفة. كما أنهم اتبعوا فى السودان سياسة مرسومة لفصله عن مصر ولفصل جنوب السودان عن شماله.

سيدى الرئيس:

          لقد سردت فى إيجاز نبذا من سيرة الاستعمار البريطانى فى وادى النيل، وأحسب أنه قد اتضح الآن تمام الوضوح لماذا ألغت مصر تلك الاتفاقات التى ألح البريطانيون فى امتهانها وتمزيقها.

          إن مصر حينما ألغت معاهدة 1936 واتفاقى 1899 لم تفعل شيئا أكثر من إعلان وفاتها. فقد سبقت المملكة المتحدة إلى قتل هذه الاتفاقات. فلا يخدعن أحدا ذلك الكلام الفارغ من أن مصر تستهين بقداسة المعاهدات.

<8>