إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الثورة البلشيفية









الفصل السابع

الفصل السابع

تشييع آخر القياصرة

بعد ثمانين عاماً، استيقظ "الضمير" الروسي ليعطي نيقولا الثاني، أو نيكولاي رومانوف ـ وأفراد عائلته ـ آخر القياصرة، الذين حكموا روسيا ثلاثة قرون، حقه ويكشف عن هوية الذين أعدموه مع جميع أفراد عائلته. واستغرق التحليل العلمي لفحص رفات العائلة المالكة، التي عُثر عليها في غابة في ضواحي كاتر ينبورج البعيدة عن سان بطرسبورج عاصمة القياصرة، سنوات طويلة وشارك فيها أخصائيون من دول عدة حتى تم التأكد تماماً، حسب شهادة اللجنة الحكومية المختصة، أن تلك الرفات تعود إلى القيصر وعائلته.

ونُقل الرفات بالطائرة إلى سان بطرسبورج يوم الجمعة 17 يوليه 1998، حيث جرت مراسم التشييع. وللمرة الأولى في تاريخ مدافن القياصرة الروس الذين خصص لكل منهم ناووس رخامي منفرد، جرى الدفن هذه المرة في ناووس مشترك من طبقتين، السفلي لطبيب القصر والخادم والطاهي والمربية، فيما وضعت في الطبقة العليا توابيت نيقولا الثاني وزوجته الإمبراطورة الكسندرا فيودوروفنا وبناتهما الثلاث. ولم يعثر بعد على رفات ابنه الوحيد الأمير ألكسى وابنته الرابعة الأميرة ماريا.

وعلى تابوت القيصر وضع سيفه وحده من دون التاج والصولجان، لأن نقولا تنازل عن العرش قبيل الثورة البلشيفية. وبمصاحبة إطلاق المدفعية أُغلق الناووس ووضع شاهد القبر فوقه. وأمضى أقرباء القيصر وحدهم ساعة، أمام قبره، ثم دخل الرئيس بوريس يلتسن وسائر المدعوين كاتدرائية بطرس وبولص، وعددهم حوالي ألفين. وكان بينهم الأكاديمي ديمتري ليخاتشوف والملحق مستيسلاف روسترو بوفيتش وممثلو جميع الأسر المالكة في أوروبا، وقدم يلتسن شخصياً وقرينته التعازي للأمير نقولا رومانوفيتش رومانوف أكبر أبناء الأسرة القيصرية. واعتباراً من اليوم التالي السبت 18 يوليه 1998، فُتح باب الزيارة لسائرالمواطنين.

وبعد الدفن مضى الحاضرون إلى قاعة جُهزت فيها مائدة لحوالي 400 شخص بأطباق روسية تقليدية، لكن من دون لحوم وكافيار.

الطابع الرسمي لدفن رفات آخر القياصرة

بعد جدل احتدم طويلاً حول أهمية وضرورة إضفاء الطابع الرسمي على مراسم دفن رفات آخر القياصرة الروس وأفراد عائلته وبعض خدمه، شارك الرئيس بوريس يلتسن في الاحتفالات التي أُقيمت في سان بطرسبورج بهذه المناسبة. أما مجلس الدوما فقد أصر على عدم المشاركة، وان عارض ذلك بعض زعماء الكتل البرلمانية وأعضاء المجلس وبعض أعضاء من كتلة الحزب الشيوعي الروسي. وفسر يلتسن قراره بالمشاركة بقوله أنه اتخذه بعد نقاش وحديث مع مواطني روسيا من ممثلي قطاع الثقافة. وأضاف قوله: "الحقيقة ظلت غائبة لمدة ثمانين عاماً وحان الوقت الآن لكشف النقاب عنها".

وقد دعا الرئيس بوريس يلتسن، عند بدء مراسم دفن رفات القيصر نقولا الثاني وعائلته في كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في بطرسبورج، إلى "اختتام القرن الحالي الذي كان دموياً بالنسبة إلى روسيا بالتوبة". وأضاف يلتسن، بعد انحنائه أمام النعوش، أن "الذكرى الثمانين لإعدام آخر القياصرة وأفراد عائلته يوم تاريخي". واستطرد قائلاً "إن أعواماً طويلة من الصمت لازمت هذه الجريمة الوحشية. إن ذلك عار في تاريخنا. أننا بإعادة دفن جثث هؤلاء الأبرياء نسعى إلى دفع ثمن الخطيئة المروعة التي ارتكبت('جريدة الحياة، عدد يوم السبت 18 يوليه 1998.'). وقال: "إن صفحات مجيدة كثيرة في تاريخ الوطن ترتبط باسم آل رومانوف. وإن التنكيل بآخر قيصر منهم في مدينة يكاتر ينبورج يعد إحدى صفحات العار المشين في تاريخنا". وأضاف: "أننا نكفر عن ذنوب آبائنا ونحن نهيل التراب على ضحايا لا جريمة لهم. وإن مسؤولية هذه الجريمة البشعة تقع على من اقترفها ومن اختلق مبرراتها وظل يكررها عشرات السنين. إننا جميعاً مذنبون ونحن جميعاً مسؤولون أمام التاريخ وأمام ذاكرة الشعب.

ثم قال يلتسن إن "الأمر يتعلق بالعدالة الإنسانية وبرمز وحدة الشعب ودفع ثمن أخطائه، لأننا جميعاً نتحمل المسؤولية. ويجب علينا القيام بواجباتنا باسم الأجيال الحالية والمقبلة. وزاد يلتسن قائلا: "إنني أنحني أمام ضحايا هذه الجريمة البشعة". وختم قائلاً "لم يكن باستطاعتي إلاّ المشاركة يجب أن أكون حاضراً كرجل وكرئيس".

بطريرك موسكو يقيم قداساً

أقام بطريرك موسكو وعموم روسيا، ألكسي الثاني، قداساً كنائسياً في المناسبة نفسها في دير سيرجييف بوساد ـ 70 كم شمالي موسكو ـ

لم تفتقر عودة رفات نقولا الثاني إلى العاصمة القيصرية سابقاً إلى الأبهة ومشاعر التأثر، فقد تجمع أكثر من ستين من أفراد عائلة رومانوف، الذين يقيمون جميعاً في الخارج، لهذه المناسبة والتقوا مجدداً مع وطنهم الأم مع أن الكثير منهم لم يعد يتكلم لغة بلده. وركع كثيرون منهم راسمين شارة الصليب، لدى مرور نعش القيصر في حين غلب بعضهم الآخر التأثر الكبير، عندما بدأت الجوقات الدينية الروسية تراتيلها في كاتدرائية بطرس وبولس.

وقال عميد عائلة رومانوف نيكولاي رومانوفيتش "الآن يمكننا أن ننسى الماضي وأن ننظر إلى المستقبل".

وتفاوتت مشاعر المئات من سكان سانت بطرسبورج الذين تجمعوا على طول الطريق لمشاهدة الموكب. وقالت فالنتينا فيكتوروفنا ـ 68 عاماً ـ "أترون هذه الجموع؟ الكل يشعر بالحزن وبالفرح كذلك برؤية القيصر يعود إلى المدينة". وفي المقابل يقول فيل فاسيليف، وهو مؤرخ في الرابعة والستين من عمره، "جئت من باب الفضول، هذه المراسم هي استعراض سياسي ليلتسن وأنا على ثقة بأن هذه البقايا ليست حقيقية" ولا تخص القيصر وعائلته. وأظهرت مارينا تشورسانوفا، وهي بائعة في الثامنة والعشرين من عمرها، حماسة أكبر وهي تقول "خلال 70 عاماً من الحكم الشيوعي كان يمنع علينا كل شيء. لكن حتى لو كان يمنع علينا التحدث عن القيصر إلاّ أن كل واحد منها كان يحبه في قلبه".

وتعلق جريدة الحياة قائلة "ولا يهم إن كانت هذه الشابة تفسر التاريخ على هواها للتعبير عن فرحتها إذ من المعروف أن نيقولا الثاني كان قيصراً غير محبوب، لأنه أغرق البلاد في الفوضى وكان خاضعاً تماماً لسيطرة زوجته، ولراسبوتين الكاهن اللغز.

من جهة أخرى قاطع مراسم التشييع عدد كبير من السياسيين الروس المعروفين، فضلاً عن الشيوعيين، فرئيس الوزراء السابق فيكتور تشيرنوميردين، الذي بدأت في عهده التنقيبات العلمية عن رفات القيصر، برر عدم حضوره المراسم برغبته في عدم تسييس القضية. إلاّ أن تصرفه أصبغ صفة سياسية على القضية، فبدلاً من سان بطرسبورج غادر تشيرنوميردين إلى كالوجا في اليوم نفسه وشارك في دفن رفات جنود قُتلوا في الحرب العالمية الثانية قبل خمسين عاماً. وبذلك أعطى دفعاً للميول الوطنية ذات الصبغة الشيوعية، طالما أنه لا خلاف بين الروس على إخلاص شهداء تلك الحرب.

وتتجلى مغازلة تشيرنوميردين للشيوعيين في دعوته (خلافاً ليلتسن) إلى عدم نبش القبور والبحث عن المذنبين في مقتل القيصر. وقال بعد التشييع البديل الذي حضره في كالوجا لدفن رفات جنود قتلوا في الحرب الثانية: "أنني لم أحضر دفن القيصر لأنه لا ذنب لنا في تلك الجريمة. فالمذنبون من جيل غير جيلنا. ولا موجب للدعاية والنفاق السياسي في قضية من المفروض أن تتم بهدوء.