إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الثورة البلشيفية









الفصل السادس

الفصل السادس

انتصار ثورة أكتوبر

وبناء روسيا من الداخل

الانتصار العام للسوفييتات

بعد أن انتصرت سلطة السوفييتات في بتروجراد وموسكو، استطاعت أن تسيطر علي كل أنحاء روسيا البعيدة، في خلال أسابيع. وفرضت نفسها علي المراكز الصناعية الرئيسية والإدارية، دون مقاومة وبأسلوب بالغ السهولة؛ إذ استولت اللجان العسكرية الثورية التي لا حصر لها، والتي تشكلت في كل مكان، على مقاليد القيادة وأعلنت قيام سلطة السوفييتات.

ومن 25 أكتوبر إلى 2 نوفمبر انضمت 16 عاصمة ولاية إلى البلاشفة. وفي منتصف نوفمبر اعترفت بالسلطة الثورية الجديدة كل روسيا الوسطي تقريباً، ومعظم الأقاليم غير الروسية، في الإمبراطورية السابقة، التي أصبحت جمهوريات فيما بعد. وانضمت سيبريا وآسيا الوسطي بدورهما إلى السلطة الجديدة. وفي سمولنسك، وطولا، وكالوجا، وكونوسك وقعت بعض المعارك. وفي مناطق أخري، كجنوب الأورال مثلاً ـ حيث قام دوتوف زعيم القوزاق بتجنيد بعض القطاعات ـ لم تتمكن القوات الثورية من السيطرة علي الوضع، إلا بعد قتال دام عدة أسابيع.

ولكن في سهل الدون الغني، حيث أعلن القوزاق بقيادة كإليدين الأحكام العرفية، واتصل كورنيلوف ودينيكين والكسييف، الذين كثيراً ما تحدثوا عن "قدسية الوطن الروسي" ـ والذين شنوا أشرس الحملات الحاقدة ضد البلاشفة، واتهموهم بالعمالة للأجانب، وبالتجسس لصالح غليوم الثاني، وبتهم أخري مشابهة ـ بمندوبي الدول الغربية التي حاولت إجهاض الثورة الروسية بالتدخل المسلح.

اشتعلت الحرب الأهلية في كل الأقاليم الروسية. واجتاحت كل أنحاء البلاد وقلبت، في خلال ثلاثة أشهر تقريباً، النظام الاجتماعي القديم. واضطرت السلطة الثورية إلى الدفاع عن هذا الانتصار، خطوة وراء خطوة، طيلة عدة سنوات، ضد التدخل الأجنبي والثورة المضادة الداخلية، التي تحالفت مع الدول الغربية، منذ الأشهر الأولي من عام 1918، وأغرقت روسيا في معركة طويلة لا يمكن للذين أشعلوا نيرانها أن يكفروا عنها.

وقبل أن تهب الموجة الثانية من الحرب الأهلية، طبَّق البلاشفة التدابير التي أعلنوا عنها، عدة مرات، والتي انتظرها الملايين من الفلاحين والجنود والعمال، الذين قاموا بثورة فبراير، وهي:

1.  إنهاء الحرب على الجبهات.

2.  تقسيم الأراضي.

3.  سياسة المساواة القومية بين الشعوب المائة، التي وحدها القياصرة بالغزو العسكري، وضموها إلى إمبراطوريتهم الواسعة.

4.  وصول قوة سياسية إلى السلطة، لا تمت بأية صلة للبورجوازية.

معاهدة برست ـ ليتوفسك "BREST- LITOVSK":

في ليلة 9 نوفمبر، بعد انتصار الثورة بعدة أيام، اتصل لينين هاتفياً بالجنرال دوخونين، قائد القوات الروسية في موجيليف. وأمره باتخاذ كافة التدابير للبدء بمفاوضات الصلح مع القيادة العليا النمساوية ـ الألمانية. ورفض القائد العام تنفيذ أمر رئيس مجلس مفوضي الشعب. فعزله لينين فوراً، وعين بدلاً منه الملازم الأول كريلنكو، أحد أعضاء الثلاثي المسؤول عن مفوضية الشعب للحرب. واتصلت الفرق والفيالق، بل وجيوش بكاملها، بالقطاعات النمساوية ـ الألمانية في الجبهة، وعقدت اتفاقات وقف إطلاق النار.

بعد مضي أسبوعين علي ثورة أكتوبر (نوفمبر) أرسل "تروتسكي" مذكرة إلى الممثلين الدبلوماسيين في العاصمة الروسية، يقول فيها إن الحكومة السوفييتية تنوي "أن تقترح علي جميع الدول عقد هدنة سريعة في الميادين تمهيداً لعقد صلح ديموقراطي". وتجاهل الحلفاء مذكرة "تروتسكي" أما دول الوسط الذين كانوا يريدون خروج روسيا من الحرب، فقد قابلوا اقتراح السوفييت بسرور وترحيب. وفتح باب المفاوضات في 3 ديسمبر في مدينة برست ليتوفسك، ثم أعلنت الهدنة بين روسيا ودول الوسط (ألمانيا والنمسا وتركيا وبلغاريا).

حاول البلشفيك أن تجري مفاوضات الصلح في ستوكهلم بالسويد لتسير في جو محايد، بعيداً عن الأراضي التي تسيطر عليها دول الوسط، ولكن الألمان رفضوا ذلك الاقتراح، وعقد اجتماع الصلح في 10 يناير عام 1918 في برست ليتوفسك "BREST- LITOVSK"، وأهم المشكلات التي كانت تعوق نجاح المؤتمر، هي مصير البلاد التي احتلتها القوات الألمانية والنمسوية، وقد طلب البلشفيك جلاء تلك القوات عن بولنده وكورلاند ولتوانيا علي أن يستفتي أهل تلك البلاد في الحكم الذي يفضلونه، وقد رفضت دول الوسط هذا الطلب، وكان لا بد من التسليم بشروط الألمان حتى تفرغ البلشفية من تنظيم نفسها أولاً داخل روسيا.

وتم تطبيق اتفاق الهدنة، الذي ينص علي إيقاف القتال، مدة ثمانية وعشرين يوماً، علي طول الجبهة الشرقية. وانتشر أمل كبير في الجبهة كلها حيث كان ملايين الجنود الروس الذين أنهكتهم الحرب، وهدهم الجوع والبرد لا ينتظرون إلا لحظة العودة إلى أوطانهم. وعندما افتتح مؤتمر السلم أعماله، قدم المندوبون النمساويون والألمان للوفد السوفييتي (برئاسة تروتسكي) شروط حكوماتهم لعقد اتفاق السلام. وكانت الشروط قاسية جداً. فقد نصت علي فصل الأرض الروسية عن ليتوانيا، وأيستونيا، وليتونيا، وجزء من بيلوروسيا وبولونيا ـ المحتلة من قبل الجيش الألماني ـ وإنشاء دولة أوكرانية تابعة لألمانيا.

وهكذا واجه لينين ومفوض الشعب حرجاً خطيراً: هل يوقعون سلماً مخجلاً أم يتابعون الحرب؟ ولكن متابعة روسيا للحرب، في الوقت الذي كانت تفتقر فيه إلى الوسائل التقنية الضرورية لمتابعتها، ومع الوضع المعنوي السيئ للقطاعات الروسية، كان أمراً مستحيلاً. وكان لينين يدرك جيداً حالة التفكك التي يعانيها الجيش القيصري القديم، وأن الجنود لن يقدموا دعمهم لحكومة تطالبهم بمتابعة القتال. وكان لينين يعلم تمام العلم أن السير في طريق القتال يؤدي، علي المدى القصير، إلى القضاء علي السلطة السوفييتية. ولهذا فضل ـ رغم عدم عدالة الشروط المفروضة ـ عقد الصلح مع ألمانيا القيصرية.

ولكنه كان مضطراً إلى إقناع اللجنة المركزية للحزب البلشفي بوجهة النظر هذه. وعندما حاول ذلك اصطدم بمقاومة جماعة "الشيوعيين اليساريين" الذين يضمون بوخارين وبوبنوف، واوسينسكي ـ تروتسكي. وكانت تدعو إلى قطع مفاوضات بريست ـ ليتوفسك وإلى "الحرب الثورية". واقترح تروتسكي إعلان إنهاء حالة الحرب، وإنهاء التعبئة العامة ورفض توقيع معاهدة الصلح، وطرح الشعار التالي: "لا حرب ولا سلم"، هذا الشعار الذي أثار موجة عارمة من التشويش والالتباس.

واستمر النزاع داخل اللجنة المركزية للحزب البلشفي عدة أسابيع. وللمرة الثالثة، في أقل من عام واحد، توصل لينين إلى جذب الأكثرية لصالح آرائه، مع أن قاعدة الحزب البلشفي، التي كانت في المرة الأخيرة، متأثرة بآراء "الشيوعيين اليساريين" وبآراء تروتسكي، في بتروجراد وموسكو، قد تمردت للمرة الأولي علي توقيع اتفاق الصلح المجحف، الذي أراد الألمان فرضه علي الجمهورية الجديدة. وفي ختام مناقشات مكثفة مع "الشيوعيين اليساريين" ومع تروتسكي توصل لينين إلى تأييد وجهة نظره التي اقتنع بها الجميع، في اللحظة التي كانت القوات الألمانية خلالها قد كررت هجومها، وأخذت تتقدم نحو بتروجراد.

وأخيرا وقعت معاهدة برست ـ ليتوفسك في 3 مارس عام 1918 وبمقتضاها

1.  وافقت روسيا علي التنازل عن بولندا ولتوانيا، وترك تقرير مصير تلك البلاد للبت فيه بين ألمانيا والنمساويين من أهالي تلك البلاد.

2.  الجلاء عن لتوانيا واستونيا وفنلندا.

3.  الجلاء عن أوكرانيا والاعتراف بالمعاهدة، التي أبرمتها جمهورية الشعب الأوكراني ودول الوسط.

4.  التنازل لتركيا عن إردهان وقارس وباطوم.

5.  الامتناع عن نشر الدعاية البلشفية في الأراضي التي تسيطر عليها دول الوسط.

وهكذا عقد البلشفيك صلحا كلفهاً أن تفقد حوالي خمسمائة ألف ميل مربع من الأرض، يسكنها حوالي 66 مليوناً من الأنفس، ولكن البلشفيك كانوا إذ ذاك يتطلعون إلى فترة سلام يستطيعون خلالها أن يقوموا بتجربتهم الخطيرة في قلب نظام الحكم وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة. أما بالنسبة لدول الوسط، فقد أدي لهم انسحاب روسيا من الحرب وانغماسها في ثورتها الخطيرة خدمة مؤقتة، إذ أعفاها من الحرب في جبهتين، ومهد الطريق لنقل عدد كبير من قواتها، إلى الميدان الغربي، للاشتراك في المعارك الحاسمة التي خاضتها في عام 1918.

تدخل الحلفاء

كان أمام البلشفيك صعوبات خطيرة لابد لهم من التغلب عليها. فقد كان أعداؤهم يحاولون الانقضاض عليهم في كل مكان، واستمر الصراع محتدماً بينهم وبين معارضيهم من الأشراف ورجال الدين والجمهوريين المعتدلين والضباط السابقين من أنصار القيصرية ثلاثة أعوام، من عام 1917 إلى عام 1920.

وكان يمكن لتلك المعركة بين البلشفيك وأعدائهم في الداخل ألا تستمر طويلاً، لولا أن وجد الحلفاء وسيلة للتدخل، فقد أغضبهم ذلك التسليم للألمان في أحرج الأوقات. وعزموا علي دعم الأحزاب البورجوازية التي تؤيد مواصلة الحرب والعودة إلى الجبهة الشرقية. وفي الوقت نفسه رأوا الإسراع في إرسال الرجال والمال والذخيرة إلى روسيا لاستعمالها ضد الروس "الحمر". ورأي الحلفاء ـ بادئ ذي بدء ـ أن يحرموا الألمان، والبلشفيك من المواد الحربية الضخمة التي سبق لهم أن بعثوا بها إلى "مورمانسك" "MURMANSK" وأركانجل "ARCHANGEL" لتكون تحت تصرف الروس قبل تسليمهم، ولذلك وسعوا دائرة الحصار على الحدود الروسية، وأرسلوا فرقاً من جنودهم إلى مورمانسك وأركانجل وفلاديفستك. وكانت فرنسا أشد دول الحلفاء سخطاً وحنقاً علي الانقلاب الروسي، الذي قضي علي التحالف الفرنسي الروسي، وأضاع عليها الديون الطائلة التي اقرضتها للحكومات الروسية السابقة، والتي جاء البلشفيك فأعلنوا عدم التزامهم بها.

وعندما تحطم الجيش التركي، وانسحبت تركيا من الحرب (نوفمبر 1918) اقتحم الفرنسيون البحر الأسود وضربوا "أوديسا" بالقنابل واستولوا عليها، بينما احتلت بعض الفرق البريطانية بعض أراضي القوقاز واستولت علي "باكو". وذلك لتشجيع العناصر الروسية المعادية للبولشفيك علي اتخاذ تلك الأقاليم مواطن للتآمر علي قلب نظام الحكم السوفييتي. كذلك انتهزت جماعات من الوطنيين في أستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، والقوقاز، تلك الفرصة لتعلن استقلال تلك الولايات، وتشجعت رومانيا واخترقت بعض قواتها إقليم "بسارابيا".

قوي الأمل في نفوس العناصر الروسية المعارضة "الروس البيض"، وأقدمت علي تنظيم قواتها بمساعدة تلك الفرق الأجنبية، لإقامة "حكومات بيضاء" وفعلا تأسست حول مورمانسك وأركانجل (حكومة روسيا الشمالية المؤقتة)، وأسس الأميرال "إسكندر كولجاك KOLCHAK"، القائد السابق للأسطول الروسي في البحر الأسود، حكومة روسية أخري في "أومسك" بسيبيريا، بمعاونة الحلفاء والجنود التشيك، وأسس غيره من القواد الروس المعادين للنظام الجديد حكومات أخري في جنوب روسيا، وجنوب أوكرانيا، والقرم. وأتاح هذا الصلح السلام الذي طالما تطلعت إلى تحقيقه شعوب روسيا، كما أتاح للحكومة السوفييتية ـ رغم شروطه الجائرة ـ الحصول علي هدنة ضرورية لإعادة تجميع قطاعاتها، والبدء بتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية.

كان من أول هذه التحولات وأهمها تغيير كيان شعوب الإمبراطورية القديمة، التي كانت تعيش في ظل السيطرة المزدوجة لأسيادها من الإقطاعيين والموظفين المدنيين والعسكريين، الذين كان معظمهم من الروس الموالين للنظام الاستعماري القيصري. وفي اليوم التالي للانتفاضة الظافرة، كان أول عمل من أعمال مجلس مفوضي الشعب هو إصدار التصريح المتعلق بحقوق شعوب روسيا (9 نوفمبر عام 1917) الذي كتبه لينين، ووقعه ستالين بصفته مفوض الشعب للقوميات. وقد أكد التصريح العمل بأربعة مبادئ:

1.  مساواة شعوب روسيا وسيادتها.

2.  حق شعوب روسيا في تقرير مصيرها بحرية، بما في ذلك حق تشكيل دول مستقلة.

3.  إلغاء كل الامتيازات والقيود ذات الطابع القومي والديني.

4.  التطور الحر للأقليات القومية، وللعرقيات الأخرى التي تعيش علي الأرض الروسية.

طبق البلاشفة هذه المبادئ رغم المعارضات التي صادفوها في صفوف الزعماء القوميين لهذه الشعوب المختلفة، ورغم المعارك المسلحة والانتفاضات في أوكرانيا والقوقاز. واستناداً إلى هذه المبادئ الأربعة أقيمت أخيراً الجمهورية الاشتراكية السوفييتية الروسية، من اتحاد فيدرالي واسع أصبح فيما بعد: اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية.

إعادة بناء الدولة

كان من الضروري اتخاذ أسلوب واضح في العمل. وصدر مرسوم في 11 نوفمبر. يقضي "بإلغاء كل الألقاب والرتب المدنية" وقد وضع هذا المرسوم حداً للتقسيم التقليدي للمجتمع الروسي، الذي يتضمن تسلسلاً في الرتب منذ قرون عديدة: نبلاء، تجار، فلاحين، عمال، بورجوازيين ـ صغار. ولكن الصعوبة الأساسية تكمن في أن العمال الثوريين وحلفاءهم الفلاحين ـ الذين حصلوا علي حقوقهم السياسية في أكتوبر ـ لم تكن لديهم أية تجربة في إدارة الشئون العامة. إضافة إلى هذا رفض جزء كبير من الكوادر الإدارية مساعدة سلطة السوفييتات الفتية في حل المسائل التقنية العديدة المطروحة، ولم يكتفوا برفض المساعدة، بل أخذوا يقاومون تطبيق التدابير التي اتخذها جهاز الدولة الجديد.

وكان انتظار تكوين كوادر جديدة تقنية وإدارية متشبعة بروح النظام الجديد، مستعدة لتحمل كل الأعباء، عملاً جنونياً، وكان علي البلاشفة أن يتجرءوا علي التخلص من المقولة القديمة التي تقول: "إن الطبقات العليا في المجتمع هي وحدها القادرة علي إدارة شئون الدولة". وتجرأ البلاشفة. وأسندوا إلى أفضل عناصرهم الحزبية مسؤوليات جسيمة في جهاز الدولة، وزرعوا روح المبادرة في أعمق طبقات الشعب. ومنذ 1نوفمبر عام 1917، صادق السوفناركوم علي "نظام الرقابة العمالية" الذي وضع لينين خطوطه الكبرى، والذي يتضمن "الإنتاج الاجتماعي" و"توزيع الإنتاج".

وامتد هذا الإشراف فوراً فشمل كل العمليات المالية والتجارية. وبدأت تطبيقه لجان المصانع التي انتخبها العمال. وفي المرحلة الأولي نظم المجلس المركزي للإشراف العمالي نشاط هذه اللجان، من خلال منظمات أنشئت لدي السوفييتات المحلية: وأصبح أصحاب المشروعات منذ ذلك الوقت، مطالبين بتطبيق القرارات التي اتخذتها هذه المجالس.

وفي خلال بضعة أشهر وُضِعت ألوف المخازن والمناجم والمصارف ومخازن التجارة والوكالات الزراعية تحت وصاية لجان الإشراف العمالي التي شارك مئات الألوف من العمال في نشاطها. وتمكن هؤلاء العمال، نتيجة لذلك، من تلقي الدروس الأولي في الإدارة الاقتصادية.

كانت هذه التجربة لا سابقة لها في التاريخ. وكانت تطرح مبدئياً فكرة تقول بأن من الأفضل وجود رجال قليلي التجربة في قيادة البلاد، ولكن تحركهم روح جديدة، بدلاً من رجال البورجوازية، التي يعادي معظم أفرادها النظام الثوري. إن ذلك أفضل من التعرض للتخريب الاقتصادي الذي تمارسه هذه الطبقة. وتم استلام العمال لمقاليد الحكم. وتعرضت هذه العملية لبعض الصعوبات: فالحماس يولد طاقة وقدرة، ولكنه لا يحل علي كل حال محل الكفاءة والتجربة.

رضي البلاشفة بتعاون بعض أفراد البورجوازية، التي قبلت أن تتعاون معهم بإخلاص في نطاق عملها المهني، ومنحوها وضعاً مادياً متميزاً. كما توصلوا بصورة سريعة إلى إعداد كوادر فتية جديدة خرجت من صفوف الطبقة العاملة والفلاحين المعدمين، وأصبحت قادرة علي تحمل المسؤوليات الملقاة علي عاتقها. وفرضت هذه التدابير نفسها بمزيد من السرعة والأهمية، حتى أن مجلسا أعلي للاقتصاد الوطني، تشكل في 2 ديسمبر، وكانت مهمته إدارة الإنتاج الذي أممت فروعه الكبرى. وفي يناير 1918، أصبح النشاط المصرفي احتكاراً للدولة، وربطت كل المصارف الخاصة بمصرف الدولة وأدمجت فيه في حين أممت أسهم المصارف وصودرت بمرسوم. ثم أصدر مجلس مفوضي الشعب مرسوماً ألغي بموجبه كل الاتفاقات المتعلقة بالقروض الخارجية، والتي وقعها نيقولا الثاني، والحكومة المؤقتة مع الدول الأجنبية.

رافق هذه التحولات الاقتصادية الجذرية تدابير قمع ضد الأحزاب السياسية والصحف، التي كانت تحارب السلطة الثورية. وعدَّ البلاشفة حزب الكاديت حزباً غير شرعي، لأنه استمر في معارضة ثورة أكتوبر واتهام البلاشفة وزعمائهم بالعمالة لغليوم الثاني . وأحيل زعماؤه الرئيسيون، الذين لم يتمكنوا من الفرار، إلى المحاكمة أمام المحاكم الثورية.

وفي ديسمبر 1917، أنشأ السوفناركوم لجنة خاصة، سميت فيما بعد بالتشيكا، لمقاومة الثورة المضادة التي لم تلق السلاح. وعُين رئيساً لها فيليكس دزيرجينسكي وهو بلشفي بارز، من أصل بولوني، قضي سنوات طويلة في السجون وفي سيبيريا. وكانت مهمة التشيكا كشف الجرائم والنشاطات الموجهة ضد الدولة الجديدة، بدءا من المؤامرات الإرهابية إلى التخريب الاقتصادي، ومروراً بالمضاربة التي انعكست آثارها على الحياة اليومية لسكان المدن. وأعيد النظر في الجهاز القضائي القديم، الذي أنشأه حكم القياصرة، وظهرت محاكم الشعب. وسرعان ما أصبحت أداة كفاح سياسي من أجل تعزيز سلطة السوفييتات. وسرحت قوات المليشيا التي أنشأتها الحكومة المؤقتة، والتي بقيت عدة أسابيع بعد انتفاضة أكتوبر، وحلت محلها قوات المليشيا العمالية والفلاحية، المكلفة "بالحفاظ على النظام الثوري، والسهر على أمن المواطنين".

اشتمل نظام إعادة إنشاء جهاز الدولة على بناء الجيش والأسطول. وأمر مجلس مفوضي الشعب بسحب الوحدات الموجودة في الجبهة جزئياً، واستبدالها بقوات مسلحة جديدة تشكلت من أفضل عناصر الحرس الأحمر والوحدات العسكرية الثورية، التي أمنت انتصار الانتفاضة العسكرية في بتروجراد وموسكو، وفي المراكز الرئيسية في البلاد. وفي بضعة أشهر ولد جيش من نموذج جديد أصبح اسمه، منذ يناير 1917، الجيش الأحمر العمالي الفلاحي، استفادت وحداته من معارك أكتوبر ونوفمبر، وبيلوروسيا والآورال، وشمال القوقاز.

مجلس تأسيسي مؤقت

مضت الثورة في طريقها طوال مدة 300 يوماً، ثم حاول الاشتراكيون ـ الثوريون اليمينيون قلب سلطة السوفييتات، من خلال المجلس التأسيسي، الذي انتخب في شهر نوفمبر بعد ثورة أكتوبر بأسبوعين. وفكر البلاشفة في تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي إلى أجل غير مسمى، لكنهم قاوموا هذا الإغراء لكي يبرهنوا للاشتراكيين ـ الثوريين اليساريين، الذين حاولوا التعاون معهم، على رغبتهم في استمرار الحوار معهم.

ولم تكن نتائج انتخابات 12 نوفمبر، في كل الأراضي الروسية، ملائمة للبلاشفة في بتروجراد، حيث حصلوا على 45% من الأصوات. وقد تمت عملية الانتخابات على غرار نموذج الانتخابات التي كانت تتم قبل الثورة. ودخلت عدة أحزاب سياسية ومجموعات صغيرة في الترشيح للانتخابات. وكان هناك تسعة عشر قائمة ترشيحية: الاشتراكيون ـ الشعبيون، والكاديت، والديموقراطيون، والاشتراكيون الثوريون اليمينيون، والاشتراكيون الثوريون اليساريون، وعصبة تطوير الشعب، والديمقراطيون الراديكاليون، والرعايا الأرثوذوكس، والطائفة النسائية من أجل إنقاذ البلاد، وطائفة العمال المستقلين، والجنود، والفلاحون، والديمقراطيون ـ المسيحيون (الكاثوليك)، والاشتراكيون ـ الديمقراطيون الموحدون، والمناشفة، وجماعة أيدنستفو، وجماعات القوازق.

وكان أكبر الفائزين في هذه الانتخابات هم الاشتراكيون الثوريون اليمنيون الذين حصلوا على 20,900,000 صوتاً، أي على 58% من الأصوات، وتمثل هذه النسبة الأغلبية المطلقة. وارتفع مجموع الأصوات التي حصل عليها البلاشفة إلى 9,023,963 صوتاً (25% من مجموع الأصوات التي أدلى بها المواطنون). وتفوقوا على الكاديت (4,600,000) صوت، والمناشفة (1,700,000) صوت.

حرص لينين على إجراء هذه الانتخابات بسبب تعلق عدد كبير من الفلاحين بالنظام البرلماني ـ الذي يجدون فيه حلاً سياسياً لمشكلاتهم ـ واقترح دعوة المجلس التأسيسي في 5 يناير 1918 ليبرهن للشعب الروسي على أن هذا المجلس سيمتنع عن تأييد التدابير الأساسية التي اتخذتها ثورة أكتوبر، وخاصة "إعلان حقوق الشعب العامل"، الذي كتبه بنفسه والذي يؤكد المراسيم التي اتخذها مؤتمر السوفييتات الثاني ومجلس مفوضي الشعب.

وكان تشيرنوف " وزير الموجيك " سابقاً يطمع في المركز الذي كان يحتله كرنسكي، منذ أن فر هذا الأخير. ومن أجل تحقيق ذلك قاد تشيرنوف، داخل المجلس التأسيسي، حركة الاشتراكيين ـ الثوريين اليمينيين. وللوصول إلى منصب رئاسة المجلس التأسيسي نافس ماريا سبيريدونوفا، مرشحة الاشتراكيين ـ الثوريين اليساريين، وهي مناضلة بارزة أمضت عدة سنوات في المنفى، ودعم البلاشفة ترشيحها لهذا المنصب. ورفض الاشتراكيون ـ الثوريون اليمينيون الذين كانوا يملكون أغلبية الأصوات في المجلس التأسيسي مناقشة "إعلان الحقوق" وبدأوا هجمات عنيفة ضد السلطة السوفييتية الفتية. وإزاء هذا الموقف، طلب لينين من السوفناركوم أولاً، ثم من التسايكا (اللجنة التنفيذية المركزية للسوفييتات) اللجوء إلى حل هذا المجلس. وفي اليوم التالي لجلسة الافتتاح، أُجل انعقاد المجلس التأسيسي إلى أجل غير مسمى. وهكذا لم يستمر النقاش فيه أكثر من اثنتي عشرة ساعة.

رد البلاشفة انعقاد المجلس التأسيسي المؤقت، بعقد المؤتمر الثالث لسوفييتات عموم روسيا بعد أربعة أيام. في 10 يناير 1918. وكان قد انقضى على انعقاد المؤتمر الثاني الذي قدم لينين أمامه "مراسيم السلم والأرض" المشهورة قرابة الشهرين. ويعزى عقد هذا المؤتمر إلى رغبة البلاشفة واهتمامهم بتقديم القرارات التي اتخذوها، منذ شهر نوفمبر، أمام نوع آخر من المجالس الدستورية للمصادقة عليها. ويعزي كذلك إلى رغبتهم في المحافظة على نوع آخر من الصلة الوثيقة مع مندوبي العمال والفلاحين المنتخبين الذين يتبعونهم في كل معاركهم. وكرس المؤتمر الثالث لعموم روسيا السلطة السياسية، التي أنشأتها ثورة أكتوبر، وصدق على (إعلان الحقوق)، ووضع الملامح الأولى لمنهاج بناء الاشتراكية في روسيا.

وهكذا انقضى (300 يوم) على الثورة الروسية، التي دخلت بعدها في مرحلة كفاح مريرة، خاضها الشعب السوفييتي كله ضد التدخل الأجنبي وضد الثورة المضادة الداخلية. واستمرت هذه المرحلة من عام 1918 إلى عام 1920، صمد خلالها ملاين الرجال وسط بلاد مترامية جميلة اجتاحتها المجاعة، وغزتها المذابح والأمراض والأوبئة. ووقفوا مدافعين عن المكاسب السياسية للثورة. وبعد هذه المرحلة بدأ بناء الاتحاد السوفييتي وتطويره. واستمرت هذه الفترة، من مرحلة بناء الاشتراكية في روسيا، إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، إلى مرحلة انتصار الاشتراكية في أوروبا الشرقية وبلدان أخرى من العالم. لقد شهدت هذه الفترة الزمنية روسيا وهي تخرج من تخلفها الأبدي، بعد أن قضت على الإقطاع، وعاصرت كثيراً من التقلب والاضطهاد اللذين رافقا عهد ستالين، وأصبحت روسيا في هذه الفترة الدولة الصناعية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

إعدام القيصر (18 يوليه 1918)

لما اشتد الصراع بين الحمر والبيض، وجد البلشفيك أن وجود القيصر نيقولا الثالث وأسرته في معتقلهم، بالقرب من بيتروجراد، قد يشجع العناصر المعادية للثورة ويفتح لهم باب الأمل للرجوع إلى الحكم القيصري، فأرسلت القيصر وأسرته إلى إحدى بلدان منطقة أورال. وفي صيف عام 1918 استطاعت بعض قوات البيض أن تتخذ طريقها إلى تلك المنطقة، فأسرع بعض الضباط السوفييت إلى مقر القيصر وأعدموه مع أسرته رمياً بالرصاص. في ليلة 16 يوليه 1918، في اقبيت دار يباتيف.

ولمّا وجد البلشفيك أن المؤامرات الأجنبية والداخلية تحيط بهم اعتمدوا في الدفاع على قوتين، أولهما فرقة (الشيكا " SHEKA") وثانيهما الجيش الأحمر. أما فرقة الشيكا فقد تكونت بعد ثورة نوفمبر (أكتوبر) مباشرة، كحامية لحفظ النظام في العاصمة، ولكنها سرعان ما تحولت إلى أداة إرهاب لمجابهة العناصر المعادية للثورة السوفييتية، وكان من حق أعضاء الشيكا أن يقبضوا على العناصر التي تعتبر معادية للحركة السوفييتية لمحاكمتهم وإعدامهم رمياً بالرصاص.

أمّا الجيش الأحمر فقد بذل "تروتسكي" أقصى ما لديه لتنظيمه وإعداده حتى يستطيع أن يتغلب على قوات الروس البيض التي سلحها الحلفاء بأحدث الأسلحة وسرعان ما أصبح الجيش الأحمر على أهبة الاستعداد لصد الخطر الأجنبي على البلاد.

وفي عام 1919. بدأ هجوم القوات الروسية المعادية حتى أصبحت على مرمى البصر من مدينة "بتروجراد"، التي سميت فيما بعد بمدينة ليننجراد، ولكن الجيش الأحمر هزمها وردها على أعقابها.

وأخيراً اضطر الحلفاء إلى سحب قواتهم في أواخر 1919، وفي العام التالي، رفعوا الحصار عن روسيا، ولم يبق إلا مدينة فلاديفستك على المحيط الهادي، التي بقيت فترة من الوقت تحتلها القوات اليابانية[1]. وتمكن البلشفيك في عامي 1919 و1920 من طرد الحكومات المعادية التي تألفت في أوكرانيا وروسيا البيضاء، وقبضوا على زمام السلطة في ولايات القوقاز وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا، وشكلوا فيها حكومات تابعة لهم. أما سيبيريا فقد استطاعت القوات الحمراء أن تستولي فيها على أومسك وتومسك واركتسك والمنطقة التي تقع غربي بحيرة بيكال ـ والتي تكون منها جمهورية مستقلة، أطلق عليها اسم "جمهورية الشرق الأقصى"، وفي نوفمبر 1922 قررت الجمعية التأسيسية، التي تكونت في تلك الجمهورية، الانضمام إلى "جمهورية السوفييت الاتحادية الاشتراكية الروسية.

حكومة الاتحاد السوفيتي

كان مؤتمر السوفييت العام قد أصدر، في ربيع 1918، دستوراً تأسست به " جمهورية السوفييت الاتحادية الاشتراكية الروسية U. S.S.R وتقرر أن تكون موسكو عاصمة قومية، بدلاً من ليننجراد، وأصبحت روسيا دولة اتحادية تستمد قوتها من الطبقة العاملة، وذاع بين الناس شعار لينين المأثور " السلطة كلها للسوفييت"، وأن النظام الجديد يجب أن تحرم منه الطبقة البورجوازية. وفي عام 1922، اجتمع في موسكو وفود من مختلف الولايات البلشفية، وكانت تلك الولايات حينئذ لا تزيد على أربعة ـ ووقعت معاهدة فيما بينها، على أن يبدأ العمل بما جاء فيها، ابتداء من يوليه 1923.

اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية U.S.S.R (يوليه 1923)

كانت تلك الدول الروسية الأربعة التي وقعت معاهدة إنشاء "اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، هي جمهورية روسيا السوفييتية الاتحادية الاشتراكية، وروسيا البيضاء، وأوكرانيا، واتحاد جمهوريات القوقاز.

ولم يشأ البلشفيك أن يحتفظوا بكلمة (الروسية) كصفة لاتحاد الجمهوريات السوفييتية، وذلك لترك الباب مفتوحاً للولايات التي تسكنها أغلبية غير روسية للانضمام إلى ذلك الاتحاد السوفييتي، وإغرائها بأن ذلك الاتحاد يضم الولايات، على أساس العقيدة السوفييتية، لا على أساس سيادة العنصر الروسي.

وفي عام 1924، انضمت إلى الاتحاد جمهوريتان آسيويتان هما أوزبكستان UZBEKISTAN وتركمنستان TURKMENISTAN ثم أخذت ولايات أخرى تنضم إلى اتحاد الجمهوريات السوفييتية حتى بلغت ست عشرة جمهورية بعد الاتساع الروسي (1939- 1940)[2].

دستور الاتحاد السوفييتي (31 يناير 1924)

وبعد أن تم تكوين "اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية"، اقترح الحزب الشيوعي، المسيطر على سياسة الاتحاد، تعديل الدستور الذي صدر عام 1918، والذي تأسست به جمهورية السوفييت الاتحادية الروسية، ويتضمن الدستور الجديد طائفة من المبادئ أصبحت أساساً للعلاقات، التي تربط بين أجزاء الاتحاد السوفييتي الجديد، وترضي القوميات بين شعوب الولايات السوفييتية، كضمان المساواة في الحقوق والواجبات للجمهوريات المختلفة، واستقلال تلك الجمهوريات استقلالاً ذاتياً، وهذا يعني أنها تمارس على أراضيها سلطة الدولة، فيما عدا الشؤون الخارجية العليا، التي تتولاها الهيئات العليا في الاتحاد السوفيتي[3]، وضمان حقها في استخدام لغتها الوطنية، وإنشاء مجلس "سوفييت القوميات" يمثل فيه جمهوريات الاتحاد على قدم المساواة.

ونظام الحكم في الاتحاد السوفيتي، نظام هرمي، قاعدته الكبرى صغار الفلاحين وعمال المدن والمثقفون، في لجان أو مجالس محلية يدعى كل منها (سوفييت). وتنتخب سوفييتات القرى مندوبيها في سوفييتات المراكز، ويبعث سوفييت كل مركز بمندوبين إلى سوفييتات الأقاليم، وتختار هذه مندوبيها في سوفييت الجمهورية، ويختار هذا المجلس ممثليه في المؤتمر السوفييتي العام الاتحاد السوفيتي، الذي يعتبر قمة الهرم الانتخابي السوفييتي.

الديكتاتورية

كان "نيقولاي لينين" أول من استجاب لآراء كارل ماركس وأعتنقها، ولكنه اختلف معه في الوسائل التي يمكن أن تؤدي إلى الثورة، وحاول أن يتطور بآراء "ماركس" من نظريات فلسفية خيالية، إلى نظام واقعي للحكم، كذلك رأى " لينين " أن من الصعوبة بمكان، أن يقوم الشعب كله بالثورة بمحض إرادته، وعلى ذلك وجب أن تقوم الثورة على يد فئة منظمة قليلة العدد، يتزعمها المتحمسون للمذهب الشيوعي، على أن يقوم هؤلاء برسم خطة تكفل النجاح للثورة، ولكن لم يلبث أن تبين في أول مرحلة من مراحل التطبيق العملي، مدى الهوة التي تفصل بين النظرية ومفهومها الخيالي، وبين التطبيق العملي في عناصره المادية المحسوسة، فبدأ يعمل على إقامة "ديكتاتورية العمال المؤقتة" كنظام تتبعه روسيا في فترة الانتقال من النظام الرأسمالي إلى الشيوعية.

ولم تنطبق نظريات كارل ماركس على الثورة الشيوعية في روسيا، لأن ماركس اعتقد أن الثورة التي تكهن بها، سوف تبدأ في أكبر الدول الصناعية، نتيجة انهيار النظام الرأسمالي، ولكن روسيا كانت من أقل الدول تقدماً في الصناعة. لأن نظامها الرأسمالي لم يكن قد تدهور إلى الحد الذي وصفه "ماركس".

والواقع أن الثورة الروسية قامت نتيجة عاملين لم يخطرا على بال كارل ماركس، ولا يمتان إلى فلسفته بصلة. هما:

1.  ظروف الحرب وفشل الحكومة خلال الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى سقوط القيصر. ولولا هذا، لظل الحكم القيصري ثابتاً لمدة طويلة في روسيا.

2.  أن لينين ـ بمقدرته وكفايته ـ قد أخذ على عاتقه أن يقوم بإحداث الانقلاب. وأكبر الظن أنه لولا وجوده لما قدر للثورة أن تتجه نحو الشيوعية.

وعلى الرغم من أنه أطلق على نظامه اسم دكتاتورية الطبقة الكادحة ـ البرولتاريات ـ إلا أنه كان يرى أن دور هؤلاء العمال الذين يحكم باسم ديكتاتوريتهم لم يأت بعد. لأنهم ـ كما قال ـ جهلة، وغير مدربين، وليسوا أكفاء للقيام بأعباء الدكتاتورية الحكومية، فقد أثرت على نفوسهم تلك القرون الطويلة، التي رزحوا أثناءها تحت نير الرأسمالية، ومن ثم ليس من المعقول أن يوكل إليهم الحكم في هذه الفترة. بل تتولى هذه المهمة عنهم صفوة من جماعة البلشفيك، وقد قال "ماركس" ذات مره مخاطباً العمال "عليكم أن تجتازوا خمس عشرة سنة، أو عشرين، أو خمسين عام، من حروب أهليه ومعارك في النطاق العالمي لا لتغيروا العلاقات القائمة فحسب، بل لتغيروا أنفسكم كذلك ولتصبحوا أكفاء للسيادة السياسية".

وهكذا تطورت فكرة الشيوعية الروسية من " دكتاتورية العمال الكادحين " إلى " دكتاتورية الصفوة الممتازة "كضرورة مؤقتة، لتحقيق ديكتاتورية العمال الاشتراكية، ومع مرور أكثر من خمسين عاماً، حسبما نادى "كارل ماركس"، لم يجد "لينين" العمال أنفسهم جديرين بالحكم، ولكن الضرورة المؤقتة ظلت حقيقة ثابتة، وتحكمت تلك الصفوة الممتازة في شئون الدولة.

وقد عرَّف ستالين ـ خليفة لينين ـ الديكتاتورية العمالية المنشودة بأنها "سيادة الطبقة الكادحة على البورجوازية، سيادة تستند على العنف، ولا يحدها قانون، سيادة تتمتع بعطف وتأييد طبقة الجماهير الكادحة التي طالما استثمرها الرأسماليون".

والواقع أن الدكتاتورية في الاتحاد السوفييتي لم تكن في الجماهير الكادحة، ولكنها تركزت في الحزب الشيوعي، فهو القوة القائدة للمجتمع السوفييتي والطليعة المثقفة والمسلحة بالنظرية الماركسية اللينينية. وقد جاء في النظام الداخلي للحزب الشيوعي الذي قرر، في مؤتمر الحزب التاسع عشر، "إن مهمات الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي اليوم هي: أن يبنى المجتمع الشيوعي بالانتقال تدريجياً من الاشتراكية إلى الشيوعية. وأن يرفع باستمرار مستوى المجتمع المادي والثقافي، وأن يربى أعضاء هذا المجتمع على روح الدولية (الأممية) والعلاقات الأخوية مع الكادحين في جميع بلاد العالم". والحزب الشيوعي هو الذي يوجه نشاط الاتحاد السوفييتي، فقد اقتنع الشعب من خلال تجاربهم، بأن الحزب هو مرشدهم وزعيمهم ومعلمهم الأمين.

وتتمثل الدكتاتورية الشيوعية كذلك في تحكم الحكومة السوفييتية في حرية العمل، وحرية الصناعة، وحرية البحث، فهي التي تفرض على المصانع أنواع المصنوعات المطلوبة، وعلى الفنانين ألواناً خاصة من الفنون، وعلى المربين نوع التربية التي يبثونها في النشأ، وأنواع الكتب المدرسية بحيث توجه التربية في الاتحاد وجهة شيوعية لأن الماركسية هي الفلسفة الرسمية المعترف بها، في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والحكومة هي التي تمتلك وتسيطر على الصحف والمؤلفات والمسارح والإذاعة والسينما والتلفونات والبرق والمعامل والمناجم والأرض والسكك الحديدية والمصارف (البنوك) وغيرها.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن حكومة الاتحاد السوفييتي كانت هي التي تمتلك وتدير جميع وسائل الإنتاج والتوزيع، فالتجارة الخارجية، تحتكرها الدولة وتديرها وزارة التجارة الخارجية وتتولى عمليات التجارة الخارجية، منظمات للتصدير والاستيراد، وتهتم كل منظمة منها بفئة معينة من البضائع.

وقد اتبعت الحكومة في النواحي الزراعية نظاماً آخر: فالمزارع المشتركة أو الجماعية التي تستغلها جماعات تعاونية من الفلاحين، عليها أن تبيع للحكومة نصف محصولها بالسعر الذي تحدده الحكومة، أما ما تبقى من المحصول فيقسم بين الفلاحين، بنسبة العمل الذي أداه كلٌ منهم. وإلى جانب تلك المزارع المشتركة (الكلولموزات) نوع أخر يتبع الدولة مباشرة، وهو مؤسسات زراعية اشتراكية، يطلق علي كل منها اسم (السوفخوز)، والسوفخوزات التابعة للدولة تختص في زراعة الحبوب والقطن وتربية الماشية وزراعة الأشجار المثمرة والحمضيات، وغير ذلك وتمتاز بأنها لا تقصر نشاطها على فرع واحد من بل تتعاطى فروعاً متعددة منها، فسوفخوزات الحبوب مثلاً تخصص مكاناً كبيراً لتربية الماشية، كما تخصص سفوخوزات تربية الماشية مكاناً كبيراً لزراعة الحقول. وتدر تلك المؤسسات الحكومية دخلاً كبيراً، ساعدها على ذلك تطبيق النظريات العلمية، وبموجب برنامج الدولة، تقدم السوفخوزات إلى الكولخوزات البذور المنتقاة والماشية الأصيلة بشروط يسيرة.

ولم تعد الزراعة وحدها مصدر الثروة في روسيا، بل نمت فيها الصناعة نمواً سريعاً، وجرى التصنيع مستنداً إلى الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج ففي عام 1940 كانت صناعة الاتحاد السوفييتي تنتج أكثر مما كانت صناعة روسيا القيصرية تنتجه عام 1913، بما يقرب من أثنى عشر ضعفاً وزاد إنتاج صناعات الإنشاءات الميكانيكية خمسين ضعفاً، وكان الاتحاد السوفيتي قبل الحرب العالمية الثانية، يشغل المرتبة الأولى في أوربا والثانية في العالم من حيث تطوره الصناعي.

السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي عقب الثورة

الكومنترن: COMINTERN

اتجهت سياسة الحكومة السوفييتية في الثلاث سنوات الأولى، بعد ثورة نوفمبر (أكتوبر) 1917، إلى السعي إلى تحطيم جميع الحكومات الرأسمالية في دول العالم وتأسيس ديكتاتورية الطبقة الكادحة "البروليتاريا"، على غرار نظام الحكم السوفييتي، وإنشاء اتحاد دولي بين جميع الجمهوريات السوفييتية التي يمكن تأسيسها بعد نجاح الثورات الشيوعية في تلك الدول. وبذلك يتم إنشاء مجتمع شيوعي عالمي.

وقد حرص زعماء الشيوعية على نشر تلك الفكرة في السنين الأولى من تأسيس الاتحاد السوفييتي؛ لأنهم كانوا يشعرون بأن مركزهم الدولي لا يزال غير مأمون العواقب، ولاسيما أنهم كانوا يعتبرون جميع الحكومات الرأسمالية أعداء لهم، ورأوا من الضروري إقامة نظم سوفيتية في الخارج لما في ذلك من تدعيم للمذهب الذي أوصلهم إلى الحكم، لذلك كان هدف سياستهم الخارجية في تلك السنوات، نشر الدعاية للثورة الاشتراكية في الدول الأخرى ولتسهيل مهمة تلك الدعاية الشيوعية، رأى الزعماء الشيوعيون تكوين الاتحاد الدولي الثالث (THE THIRD INTERNATIONAL) الذي سمي فيما بعد "الكومنترن" ودعوا جميع الأحزاب الشيوعية في أنحاء العالم إلى اجتماع يعقد في "موسكو" في مارس 1919 لتكوين ذلك الاتحاد الدولي الثالث[4]. وذلك بقصد جمع كلمة العمال من مختلف الشعوب، ووضع برنامج مشترك يمهد السبيل لإقامة حكومات (البرولتياريا) على أنقاض الحكومات الرأسمالية . واجتمع في موسكو مندوبون عن الأحزاب الشيوعية في العالم، لمناقشة الوسائل التي تؤدي إلى أهداف "الكومنترن" وكانت أهم الوسائل لتحقيق الفكرة هي:

1.  نشر الدعاية العالمية لمبادئ الشيوعية.

2.  توحيد وتقوية الأحزاب الشيوعية في مختلف الأقطار ,

3.  تزعم الحركات العمالية والاشتراكية التي تقوم في بعض الدول وتوجيهها الوجهة المنشودة.

4.  تعجيل تطور الحوادث في بعض الدول وتوجيهها نحو الثورة العالمية على الرأسمالية، تحت إشراف الكومنترن.

وبدأ فعلاً نشاط تلك المنظمة بمعاونة الحكومة السوفييتية، ولعبت دوراً بارزاً في تشجيع الحركات الثورية التي قامت في بعض الدول الأوربية، كالثورات التي قام بها الشيوعيون في ألمانيا والمجر عام 1919. وفي إيطاليا عام 1920. على أن ذلك النشاط الشيوعي الدولي لم ينجح عندما حاول الكمنترن الاتصال بدوائر العمال في بريطانيا وفرنسا والنمسا وتشكوسلوفاكيا. كذلك بذل الشيوعيون مجهودات كبيرة لنشر الشيوعية في الأقطار الآسيوية، على أمل أن تنضوي تحت زعامة الاتحاد السوفييتي بحجة "السعي إلى مقاومة الاستعمار والرأسمالية".

ولكي يكتسب البولشفيك ثقة تلك الشعوب الشرقية، أعلنوا استنكارهم للوفاق الودي الإنجليزي الروسي الذي عقد عام 1907، وهو الوفاق الذي قسم إيران إلى منطقتي نفوذ، إحداهما روسية في الشمال، والأخرى إنجليزية في الجنوب، وتنازلت الحكومة السوفييتية عن معظم الامتيازات التي اكتسبتها الحكومات الروسية القيصرية في الصين، وحرضت الأفغانيين على مقاومة السيطرة البريطانية. وفي سبتمبر 1920 دعا البلاشفة إلى عقد "مؤتمر شعوب الشرق" في باكو، وحضر المؤتمر ما يقرب من تسعمائة مندوب يمثلون حوالي أربعين شعباً، ولكن لم يؤت ذلك المؤتمر الثمرة التي كان السوفييت يتوقعونها، لأن المندوبين الذين حضروا المؤتمر، كانوا لا يمثلون حكوماتهم، بل يمثلون بعض العناصر المتطرفة في بلادهم، ولم يصل السوفييت إلى الهدف الذي كانوا يرمون إليه، وهو تكوين تحالف شيوعي للشعوب الشرقية.

العودة إلى التفاهم

وشعر السوفييت منذ عام 1921، بأن محاولاتهم لنشر الشيوعية العالمية قد باءت بالفشل، وأن عليهم أن يكرسوا جهودهم لنجاح السياسة الاقتصادية الجديدة التي وضعوها لبلادهم، وتدعيم قواتهم، وتحسين مركز بلادهم الاقتصادي، ورأوا أن ذلك لا يتأتى إلا بالتقرب إلى العالم البورجوازي، الذي كانوا يرفضون التعامل معه، ولم يكن لدى تلك الدول مانع من التفاوض مع البلشفيك، لذلك تم أول اتفاق تجاري بين روسيا وإنجلترا في عام 1921. وفي الوقت نفسه اتفق الطرفان على أن تمتنع روسيا عن إثارة الآسيويين ضد بريطانيا، في مقابل أن ترفع بريطانيا الحصار الاقتصادي عن الموانئ الروسية. وما أن انتهى العام حتى أتمت روسيا عقد مثل هذه الاتفاقيات التجارية مع إحدى عشرة دولة. ومع ذلك لم تستطع تلك الاتفاقيات التجارية أن تكفى حاجة روسيا الاقتصادية؛ لأن كثيراً من الدول الغربية كانت تحجم عن التعامل مع الحكومة السوفييتية بسبب القرار الذي أصدره البلشفيك عام 1918 بعدم اعتراف روسيا بالديون الأجنبية عليها. واضطر وزير الخارجية الروسية أن يعلن أن حكومته على استعداد لمباحثة الدول بشأن الديون. وفي مؤتمر دولي، وبعد تردد طويل، وبفضل المساعي التي بذلها لويد جورج. دعيت روسيا لحضور مؤتمر اقتصادي يعقد في جنوا في عام 1922. وقد حضر المؤتمر ممثلو الدول صاحبة الديون على روسيا، فيما عدا الولايات المتحدة. ولكن مؤتمر جنوا لم ينجح لأن الدول طالبت روسيا بالاعتراف بالديون التي أنكرتها، وأن تدفع تعويضات للممتلكات الأجنبية التي صودرت في روسيا بعد قيام الثورة، بينما صممت روسيا على عدم الاعتراف بديون الحرب. والاكتفاء بالاعتراف بالالتزامات التي تعهدت بها الحكومة الروسية القيصرية لبعض الدول قبل قيام الحرب، وبعد مباحثات، استمرت عدة أسابيع، لم يصل المؤتمرون إلى اتفاق.

ومما زاد الحلفاء السابقين حنقاً على روسيا السوفييتية أن ممثلي روسيا وألمانيا في المؤتمر، قد اتفقوا فيما بينهم على توقيع معاهدة رابلو "RAPALLO" أبريل 1922، وتم بمقتضاها إعفاء ألمانيا مؤقتاً من ديونها التي تستحقها روسيا وفتحت الباب لعقد اتفاقات تجارية بين البلدين؛ فاكتسبت روسيا بهذا الاتفاق كسباً أدبياً آخر، هو اعتراف ألمانيا بالنظام الجديد في روسيا.

وعندما تولت الحكم في بريطانيا وزارة العمال برئاسة "رمزي ماكدونالد" (1924) سارعت تلك الوزارة بالاعتراف بالحكومة السوفييتية دون أي تحفظ. وبعد أيام قليلة أعلنت إيطاليا ـ وعلى رأسها موسوليني ـ الاعتراف بالحكومة السوفييتية، وتبع ذلك عقد اتفاقيات تجارية بين روسيا وكل من بريطانيا وإيطاليا.

وتتابعت بعد ذلك اعترافات الدول بالحكومة السوفيتية، ولم يكد ينتهي عام 1924، حتى بلغ عدد الدول الأوربية التي اعترفت بها خمس عشرة دولة، من بينها فرنسا، والنرويج، والنمسا، واليونان، والصين، والدنمرك، والمكسيك. وفي السنة التالية، أي عام 1925 حصلت روسيا على اعتراف معظم الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. على أن الحكومة السوفييتية ساءها عقد معاهدات لوكارنو "LOCARNO" في عام 1925[5] بين الدول الأوربية الكبرى، وهي المعاهدات التي اعتبرتها روسيا تهديداً خطيراً موجهاً إليها، ولذلك كان أول هدف للسياسة الخارجية الروسية فيما بين عامي 1925و1933، هو إنشاء حاجز من الدول الصديقة على الحدود الروسية، يضمن السلامة من العدوان، وما أن وافى صيف عام 1933 حتى كانت روسيا قد عقدت مع عدد من جاراتها الغربية والجنوبية ومع عدد آخر من الدول مواثيق الحياد وعدم الاعتداء.

 



[1] كان اليابانيون قد أرسلوا بعض قواتهم إلى سيبيريا بعد تسليم روسيا للألمان لاعتقادهم بأن الفرصه سانحه لإقتناص تلك الممتلكات النائية.

[2] أصبح الاتحاد السوفييتي يتكون من: جمهورية روسيا السوفيتية، وأوكرانيا، وبيلوروسيا وأوزبكستان وكازاخستان وجورجيا وأذربيجان وليتوانيا ومولدافيا ولاتفيا وقرغيزيا وتاجيكستان وأرمينيا وتركمينيا وأستونيا والجمهورية الكاريلوفينية.

[3] تتولى الهيئات العليا لسلطة اتحاد الجمهوريات السوفيتية تمثيل الاتحاد في شئون العلاقات الدولية، ومسائل السلم والحرب، وتنظيم شئون الدفاع،والقيادة العامة لجيوش الاتحاد، وشؤون التجارة الخارجية على أساس احتكار الدولة لها، ووضع الخطط التي يسير عليها الاقتصاد الشعبي في الاتحاد السوفيتي، وإدارة النظام النقدي، وعقد القروض وإعطائها، وإدارة البنوك والمشروعات التي لها أهمية لجميع بلاد الاتحاد السوفيتي.

[4] كان كارل ماركس أول من دعى إلى تكوين (الاتحاد الدولي الأول) في عام 1864 واستمرت هذه المنظمة تعقد اجتماعاتها السنوية حتـى عام 1876 وقد توقف نشاطها كنتيجة لرد الفعل الذي حدث في أوربا ضد الاشتراكية، وثم بدأت الاشتراكية تنهض من جديد، فتأسس الاتحاد الدولي الثاني في عام 1889. وعندما لاحت الحرب العالمية الأولى وقف النشاط الدولي الثاني، عندما تغلبت الوطنية والقومية على الاشتراكية العالمية.

[5] كان حوض نهر الرين بعد انتهاء مؤتمر الصلح مثار خلاف خطير يزعزع السلام في تلك البقعة الهامة من العالم، وقد رأى كل من أرستبدبريان BRIAN وزير الخارجية الفرنسى وسترسمان وزير الخارجية الألماني، واوستن تشمبرلن وزير الخارجية البريطاني، أن يحلوا مشكلة الرين في مؤتمر يعقد في لوكارنو بسويسرا (5-16 أكتوبر 1925)، ودعوا إلى المؤتمر كلا من إيطاليا وبلجيكا وبولندا وتشكسلوفاكيا وقد تم في هذا المؤتمر عقد سبع معاهدات، منها أربع معاهدات تحكيم بين ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وبولندا وتشكوسلوفاكيا ومعاهدتي دفاع بين فرنسا وتشكوسلوفاكيا ومعاهدة ضمان مشترك- أو ميثاق الرين- بين فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا وبلجيكا.