إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الثورة البلشيفية









الفصل الخامس

الفصل الخامس

الاستيلاء على السلطة

24 ـ 26 أكتوبر (ثورة أكتوبر عام 1917)

لينين يضرب ضربته

أدرك لينين عندئذ أن الوقت قد حان لكي يضرب ضربته؛ ففي منتصف سبتمبر 1917 (حسب التقويم الروسي القديم) الموافق 28 سبتمبر (حسب التقويم الحالي)، أرسل لينين، من منفاه الاختياري بفنلندا، عدة رسائل إلى اللجنة المركزية للحزب البلشفي، ولجنتي بتروجراد، أكد فيها على ضرورة إسراع البلاشفة في الاستيلاء على السلطة في روسيا.

وفي يوم 20 أكتوبر عاد لينين من فنلندا إلى. بتروجراد متخفياً. ومنذ الثالث والعشرين من الشهر نفسه عقدت اللجنة المركزية للحزب البلشفي عدة اجتماعات سرية برئاسة لينين، بهدف مناقشة الاستعدادات للثورة وخطوات تنفيذها، كما انتخبت مكتباً سياسياً من سبعة أعضاء.

وقرأ لينين في اجتماع 23 أكتوبر تقريراً عن ضرورة إشعال الثورة المسلحة. وصادقت اللجنة المركزية على ذلك إلاّ أن اثنين من أعضاء اللجنة المركزية، هما كامنييف وزينوفييف، عارضا هذا القرار، في حين أيد 20 من أعضاء اللجنة المركزية وامتنع ثلاثة آخرون عن التصويت. وكان عدد أعضاء الحزب البلشفي قد بلغ، حينذاك، زهاء 400 ألف عضو. وعن هذه الدورة للجنة المركزية انبثقت "اللجنة العسكرية الثورية" برئاسة لينين نفسه، وأشرفت على مجمل الأعمال في الإعداد وقيادة الثورة المسلحة. وانتشر مندوبو اللجنة المركزية للحزب البلشفي في المناطق الصناعية الروسية بهدف قيادة الانتفاضة. وشكلت اللجنة التنفيذية لمجلس سوفيات بتروجراد لجنة ثورية عسكرية، برئاسة بودوفويسكي وأرسلت اللجنة مفوضيها إلى كافة الوحدات العسكرية المرابطة في العاصمة وضواحيها. واستكملت قوى الثورة استعداداتها لشن الهجوم.

وفي الاجتماع التالي في 23 أكتوبر 1917، أشار لينين مرة أخرى إلى التمرد في الأسطول الألماني وقال: "إن الموقف الدولي يعطينا سلسلة من الأسباب الموضوعية للاعتقاد بأننا إذا أقدمنا الآن فسنجد، في البروليتاريا الأوروبية كلها، حليفاً يقف إلى جانبنا". وكان ستالين هو الذي طالب في الاجتماع "بثقة أكثر" في الموقف الدولي.

مساء الثلاثاء 24 أكتوبر (6 نوفمبر)

أعد البلشفيك لكل شيء عدته حتى ينجح الانقلاب، وفي مساء 6 نوفمبر، الموافق الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1917 (التقويم القديم)، دعا لينين قوى الثورة إلى حسم الأمر هذا اليوم، وطلب من اللجنة المركزية للحزب البلشفي السماح له بترك مخبئه في ضاحية فيبورج، والتوجه إلى سمولني حيث يجتمع سوفييت بتروجراد، واللجنة المركزية البلشفية، واللجنة العسكرية الثورية بصورة مستمرة. وبالفعل ترك مخبأه واتجه إلى سمولني. وما أن وصل إلى مكان الاجتماع حتى أعطت اللجنة العسكرية الثورية الأمر بشن الثورة المسلحة.

كما أعلن البلشفيك أن أعداء الثورة بدأوا يرفعون رؤوسهم، وأن القواد القيصريين يريدون القضاء على "المؤتمر العام للسوفييت والجمعية الدستورية"، واكتظت بتروجراد ليلة 24 ـ 25 أكتوبر (حسب التقويم القديم) ليلة 6 ـ 7 نوفمبر بفصائـل الحرس الأحمر والجنود والبحارة الثوريين، وبسيارات الشحن التي تنقل المواطنين المسلحين. وبناء على أوامر الحزب البلشفي وقائده لينين، احتل الحرس الأحمر والجنود والبحارة الثوريون محطات السكك الحديدية، والجسور ومراكز المواصلات ومحطات الكهرباء ودوائر الحكومة ومصرف الدولة وغيرها من المرافق. وشق الطراد الموالي للبلاشفة "أورورا" مياه نهر نيفا، وتوقف عند جسر نيكولايفسكي.

صباح الأربعاء 25 أكتوبر (7 نوفمبر)

في صباح 25 أكتوبر 1917 (7 نوفمبر) صدر بلاغ بلشفيكي يعلن سقوط الحكومة المؤقتة. والقبض على جميع أعضائها، فيما عدا "كرنسكي" الذي استطاع الفرار. وأقر مؤتمر السوفييت العام ذلك الانقلاب، وكوَّن في اليوم نفسه حكومة مؤقتة جديدة، أطلق عليها اسم المجلس السوفييتي لوكلاء الشعب "SOVIET OF THE PEOPLES , COMMISSARS" وانتخب لينين رئيساً لهذا المجلس، وتروتسكي وزيراً للخارجية.

أصدر المجلس البيان التالي:

إن الحكومة المؤقتة قد عُزلت. وانتقلت سلطة الدولة إلى يد جهاز سوفييت بتروجراد لنواب العمال والجنود ـ اللجنة العسكرية الثورية، القائمة على رأس بروليتاريا بتروجراد وحاميتها. وهي تضمن تحقيق الأهداف التي ناضل الشعب من أجلها، وهي التصالح الديموقراطي في الحال، وإلغاء الملكية الكبيرة للأرض، والرقابة العمالية على الإنتاج وإقامة حكومة سوفييتية.

وفي صباح يوم 25 أكتوبر كان معظم بتروجراد في أيدي الثوار البلاشفة، وإن احتفظت قوات الثورة المضادة ببضع مراكز في وسط المدينة، بما فيها "قصر الشتاء"، حيث قبع وزراء الحكومة المؤقتة، تحت حماية كتيبة من اليونكرز، في حين فر رئيس الحكومة كيرينسكي، سراً من بتروجراد، في سيارة السفارة الأمريكية، واتجه إلى قطاعات القوزاق المسحوبة من الجبهة، بغية العودة معها إلى العاصمة. وسرعان ما صفت قوات الثورة جيوب قوات الثورة المضادة في بتروجراد. وحتى مساء 25 أكتوبر (بالتقويم الروسي القديم) ظل "قصر الشتاء"، محاصراً بقوات كثيفة من الحرس الأحمر والجنود والبحارة الثوريين. وفي الساعة 21 دوت فوق نهر نيفا وبتروجراد، القنبلة الأولى من مدافع الطراد "أوروبا"، إشارة للبدء في الهجوم على "قصر الشتاء". وبعد ساعات قليلة احتلت قوات الثورة القصر، واعتقلت الوزراء السابقين، وأودعتهم قلعة بطرس وبولص، حيث كان القيصر يسجن الثوار من قبل. ورفرف العلم الأحمر فوق العاصمة الروسية بتروجراد.

الخميس 26 أكتوبر (8 نوفمبر 1917)

كان مرسوم السلام المشهور ـ الذي كان في الحقيقة نداء إلى جميع حكومات وشعوب الدول المتحاربة لعقد صلح ديموقراطي ـ أول إجراء في مجال السياسة الخارجية قامت به "حكومة العمال والفلاحين المؤقتة"، وأقره "المؤتمر الثاني لسوفيتات عموم روسيا"، في 26 أكتوبر 1917، اليوم التالي لانتصار الثورة. كان نداء السلام موجها إلى الفلاحين المجندين. فقد كان النظام في تلك اللحظة الحرجة يعتمد على تأييد جماهير الفلاحين، الذين ظلت وجهة نظرهم، بالمصطلح الماركسي، "بورجوازية صغيرة"، وطالما كان الأمر كذلك فإن الثورة لا تستطيع أن تتخلص من إطارها البرجوازي ـ الديموقراطي، وقد كتب لينين فيما بعد: إن الجماهير "التي أرهقتها أربع سنوات من الحرب لم تكن تريد إلا السلام، ولم تكن في حالة تسمح لها بأن تسأل: لماذا الحرب؟".

كما أن تفكير لينين لم يكن في الفلاحين وحدهم. فقبل نهاية القرن التاسع عشر بدأت أفكار البورجوازيين الراديكاليين الداعين إلى السلام تتسرب إلى الاتجاه الديموقراطي الاجتماعي فيما يتصل بالحرب والسلام وبخاصة في ألمانيا وروسيا. وكان لينين قد تكهن قبل ذلك بعامين بأنه "لا ألمانيا ولا إنجلترا ولا فرنسا" يمكن أن تقبل السلام، على الأسس التي يقترحها البلاشفة. ولكن كان من حسن السياسة التقدم باقتراحات معقولة بدرجة تجعل رفضها محرجاً، وكان الإغراء واضحا لصياغتها بلغة أقرب ما يمكن إلى لغة الغرب. وكانت الحكومة السوفيتية قد ورثت عن الحكومة المؤقتة مراعاة وجود مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا الثورية في الحملة من أجل سلام ديموقراطي.

وهكذا كان مرسوم السلام، الذي اقره المؤتمر الثاني لسوفيتات روسيا، صبيحة يوم الثورة اقتراحاً لتحقيق سلام فوري موجهاً "إلى جميع الشعوب المحاربة وحكوماتها" وأذيع في جميع أنحاء العالم. فهو لم يطالب بسلام اشتراكي، بل بسلام "عادل وديموقراطي" بلا ضم ولا تعويضات، يقوم على حق تقرير المصير القومي لكل الأمم "بالتصويت الحر". وأعلن إلغاء الدبلوماسية السرية، وإن الحكومة تنوى نشر المعاهدات السرية الماضية، وأن تكون جميع مفاوضاتها المقبلة "علنية تماماً أمام كل الشعب". ولم يقل شيئاً عن الرأسمالية كسبب للحرب، أو عن الاشتراكية كعلاج لها. وجاءت الإشارة الوحيدة للثورة العالمية في عبارته الختامية، التي دعا فيها العمال الإنجليز والفرنسيين والألمان لمساعدة إخوانهم الروس "على العمل على نجاح الجهود من أجل السلام، وعلى تحرير الجماهير الكادحة والمطحونة من كل أنواع العبودية والاستغلال".

أمر صادر من كيرنسكي

في صباح 26 أكتوبر (8 نوفمبر عام 1917) نشرت جريدة "فوليانارودا" أمراً صادراً من كيرنسكي في بسكوف ينص على: "إن الاضطرابات القائمة التي أثارها جنون البلاشفة تضع دولتنا على شفا الهلاك وتتطلب الثبات والصمود وأن يؤدى كل فرد واجبه للخروج بوطننا من المحنة القاتلة التي يعانيها. وإلى أن يتم تشكيل حكومة مؤقتة جديدة، ينبغي على كل واحد منا أن يبقى في مركزه، ويؤدى واجبه حيال الوطن المعذب. وينبغي أن نتذكر أن أقل مساس بتنظيم الجيش الحالي قد يؤدى إلى مصائب لا يمكن تلافيها، إذ يفتح الطريق لضربة جديدة من العدو.

ومن ثم لابد من المحافظة على معنويات الجيش القتالية مهما كلف الأمر، بالحفاظ على النظام التام وصيانة الجيش من الهزات الجديدة، وعدم زعزعة الثقة المتبادلة بين الرؤساء ومرؤوسيهم. وأنى لآمر جميع الرؤساء والمفوضين، في سبيل إنقاذ الوطن، أن يحافظوا على مراكزهم مثلما أحافظ أنا على منصبي، كقائد أعلى، إلى أن تعلن الحكومة المؤقتة للجمهورية إرادتها...".

مؤتمر السوفييتات الثاني

في مساء السادس والعشرين من أكتوبر (تقويم روسي قديم) افتتحت جلسة مؤتمر السوفييتات الثاني، الذي ضم أكثر من 650 مندوباً، منهم نحو 400 بلشفي، ونحو 180 من الاشتراكيين الثوريين، وبقى للاشتراكيين الثوريين والمناشفة ما بين 70 و80 مندوباً، غادر معظمهم مكان المؤتمر، في حين انضمت بقيتهم إلى أغلبية المؤتمر. واتخذ المؤتمر قراراً بانتقال السلطة كلها إلى السوفييتات. وقدم لينين إلى المؤتمر تقارير، أشار فيها إلى أن البلاشفة عرضوا على حكومات البلدان المتحاربة جميعها الشروع فوراً في مفاوضات لعقد صلح ديموقراطي عام، دون تعويضات، أي دون الاستيلاء على أراضي الغير، ودون ابتزاز التعويضات الحربية من المهزوم، مع منح جميع الأمم والشعوب الحق في تقرير مصيرها. واقترح لينين على المؤتمر إقرار "مرسوم الأرض"، الذي ينص على مصادرة جميع أراضي الملاك والأديرة والعائلة القيصرية، بلا تعويض، وتمليكها للشعب. وشكل المؤتمر الحكومة السوفييتية، التي حملت آنذاك اسم "مجلس مفوضي الشعب". وعُيَّن لينين رئيساً لهذه الحكومة، كما انتخب المؤتمر أعضاء "اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا" واختار كامنييف رئيسا لهذه اللجنة. وفي إطار الحكومة السوفييتية شُكلت "لجنة الشؤون العسكرية والبحرية"، التي ضمت بلاشفة من ذوى الخبرة العسكرية، وهم: انتونوف، وأوفسيينكو، والملازم الثاني كريلينكو، والبحار ديبينكو (رئيس اللجنة المركزية لأسطول البلطيق). وكانت هذه اللجنة أول هيئة حكومية سوفييتية للإدارة العسكرية. وبعد فترة وجيزة أضيف إلى هذه اللجنة أعضاء جدد، وتحولت إلى "مفوضية الشعب للشؤون العسكرية والبحرية".

رد من مؤتمر السوفييتات

ورداً على نداء كيرنسكي أصدر مؤتمر سوفييتات عموم روسيا نداءً أُلصق على جميع الجدران: "اعتقلت اللجنة الثورية الوزراء السابقين كونوفالوف وكيشكين وتيريشنكو وماليانتوفيتش ونيكيتين، وغيرهم بينما فر كيرنسكي. فعلى جميع منظمات الجيش أن تتخذ التدابير لاعتقال كيرنسكي على الفور وترحيله إلى بتروجراد. وكل مساعدة تقدم له سيعاقب عليها بوصفها جريمة نكراء في حق الدولة.

بعد اجتماعات طويلة قضاها لينين، ومعه تروتسكي، في مباحثات مستمرة مع أنصار المساومة من البلاشفة والاشتراكيين، قرر تشكيل حكومة اشتراكية. وفي الساعة الثامنة والدقيقة الأربعين ظهر أعضاء هيئة الرئاسة، وبينهم لينين، أمام رجال الصحافة والجماهير المحتشدة ووقف لينين على المنبر قائلاً: "لقد دقت الآن ساعة العمل لبناء النظام الاشتراكي! إن أول مهمة ينبغي أن نقوم بها هي اتخاذ خطوات عملية لتحيق السلام، ينبغي لنا أن نقترح على شعوب جميع البلدان المتحاربة صلحاً قائماً على أساس الشروط السوفييتية دون تعويضات، على أساس حرية الشعوب في تقرير مصيرها. وفي الوقت نفسه، كما وعدنا، نحن ملزمون بنشر المعاهدات السرية والامتناع عن التقيد بها. إن مسألة الحرب والسلام هي من الوضوح بحيث أستطيع، دون أية مقدمات، تلاوة مشروع النداء إلى شعوب جميع البلدان المتحاربة... ".

وتلا لينين مشروع النداء: إن حكومة العمال والفلاحين المنبثقة من ثورة 24 ـ 25 أكتوبر 1917 والمستندة إلى سوفييتات نواب العمال والجنود والفلاحين تقترح على جميع الشعوب المتحاربة وعلى حكوماتها أن تشرع على الفور في مفاوضات إقرار صلح ديموقراطي عادل. إن الحكومة لا تطمح إلا إلى الصلح الديموقراطي أو العادل في جميع البلدان المتحاربة، وهو ما تتعطش إليه الغالبية العظمى من العمال والطبقات الكادحة التي أرهقتها الحرب وأنهكتها وأذاقتها العذاب الصلح الذي يقوم على أساس العدالة وعدم اغتصاب أراضي الغير أو ضم للقوميات الأجنبية إلى كيان دولة أخرى بالقوة ومن دون تعويض. هذا هو الصلح الذي تقترحه حكومة روسيا على جميع الشعوب المتحاربة، لتبرمه على الفور، وهي تعلن أنها مستعدة لأن تقوم دون مماطلة، بكل الخطوات الحازمة الضرورية، قبل أن يتم التصديق النهائي على كل شروط هذا الصلح، من قبل مجالس ممثلي الشعب، في جميع البلدان والأمم.

"وإن الحكومة لتقصد بالدمج أو الاستيلاء على الأراضي الأجنبية ـ حسب المفهوم الصحيح للديموقراطية عامة، والطبقات الكادحة خاصة ـ كل ضم لقومية صغيرة أو ضعيفة تقوم به دولة كبيرة أو قوية إلى كيانها، دون أن تعبر هذه القومية عن موافقتها ورغبتها تعبيراً دقيقاً واضحاً حراً، أيا كان زمن حدوث هذا الضم القسري ومهما كان مستوى التطور الحضاري أو تأخره، للأمة التي ضُمت بالقوة أو الداخلة بالقوة في حدود الدولة المعنية، وأخيراً لا يؤثر في ذلك كون تلك الأمة في أوروبا أو في البلدان النائية عبر المحيطات.

وأي أمة تُضم بالقوة إلى دولة من الدول، ولا تعط الحق ـ على الرغم من إعلانها في الصحافة أو في الاجتماعات الشعبية أو قرارات الأحزاب أو بالتمرد أو الانتفاضات ضد الاضطهاد القومي ـ لتقرر مصيرها بحرية تامة، بعد جلاء تام لجيوش الأمة الضامة، فإن ضم هذه الأمة يعد دمجا، واحتلالاً. "وترى الحكومة أن الاستمرار في هذه الحرب لتمكين الأمم القوية والغنية من أن تتقاسم، فيما بينها، الشعوب الضعيفة والمغلوبة على أمرها، هو أعظم جريمة في حق الإنسانية. وأنها لتعلن رسمياً عن عزمها على التوقيع فوراً على صلح يوقف هذه الحرب بالشروط المشار إليها، مع تحري العدالة بالدرجة نفسها لجميع الشعوب، دونما استثناء.

"وتعلن الحكومة، في الوقت نفسه، أنها لا تعد شروط الصلح المشار إليها آنفا شروطا نهائية. فهي تقبل أن تبحث أي شروط أخرى للصلح تقترحها أي دولة متحاربة، على أن تكون واضحة كل الوضوح وخالية من أي غموض أو التباس. إن الحكومة تلغي الدبلوماسية السرية، وتعبر من جانبها عن عزم ثابت على إجراء المفاوضات كلها بشكل علني تماماً أمام الشعب بأسره، وتنشر على الفور بالنص الكامل، المعاهدات السرية التي أبرمتها أو عقدتها حكومة الإقطاعيين والرأسماليين منذ شهر فبراير حتى 25 أكتوبر 1917. وتعلن الحكومة أنها تلغى من الآن، دون قيد ولا شرط، مضمون هذه المعاهدات السرية التي كان هدفها غالباً تأمين مغانم وامتيازات الإقطاعيين والرأسماليين الروس، والمحافظة على الأراضي التي اغتصبها الروس أو تنميتها.

والحكومة، إذ تدعو حكومات جميع الدول وشعوبها إلى الشروع، على الفور، في مفاوضات علنية لعقد الصلح، تعلن من جانبها أنها مستعدة لإجراء هذه المفاوضات إما كتابياً تلغرافياً، وإما عن طريق المحادثات بين ممثلي مختلف البلدان، أو في مؤتمر ينعقد لهؤلاء الممثلين. وإن الحكومة، تسهيلاً منها لهذه المفاوضات، تعين ممثلاً عنها له مطلق الصلاحية في البلدان المحايدة. وتقترح الحكومة على جميع الحكومات والشعوب، في جميع الدول المتحاربة، عقد هدنة فوراً، مدتها ثلاثة أشهر على أقل تقدير، يمكن خلالها إجراء محادثات الصلح، بالاشتراك مع ممثلي جميع القوميات أو الأمم دونما استثناء، سواء من اندفع منها إلى الحرب، أو اضطر إلى خوضها، كذلك عقد مجالس لممثلي الشعوب في جميع البلدان، للتصديق النهائي على شروط الصلح.

إن حكومة العمال والفلاحين المؤقتة في روسيا، إذ تتوجه باقتراح الصلح هذا إلى حكومات جميع الدول المتحاربة وشعوبها، تتوجه في الوقت نفسه وبصفة خاصة إلى العمال المستنيرين في أكثر أمم الإنسانية تقدماً، أي الدول الثلاث الكبرى من الدول المشتركة في الحرب: إنجلترا وفرنسا وألمانيا. إن عمال هذه البلدان أسدوا أعظم خدمة إلى قضية التقدم والاشتراكية: في إنجلترا، وفرنسا، وأخيراً النضال البطولي ضد القانون الاستثنائي في ألمانيا، والعمل الدؤوب العنيد المنظم النموذجي لعمال العالم أجمع لإنشاء منظمات بروليتارية جماهيرية في ألمانيا ـ إن كل هذه النماذج، عن بطولة البروليتاريا والإبداع التاريخي، لهي ضمان لها بأن عمال هذه البلدان سيفهمون الواجبات الملقاة على عواتقهم اليوم، واجبات تحرير الإنسانية من أهوال الحرب ونتائجها، وبأن هؤلاء العمال، بنشاطهم الحازم والمتفاني والمتنوع الوجوه، سيساعدوننا على السير قدماً إلى النهاية بنجاح، في قضيتي السلام وتحرير الجماهير الكادحة من كل عبودية واستغلال".

وحين هدأت عاصفة التصفيق، استأنف لينين الحديث من جديد

"إننا نقترح على المؤتمر الموافقة على هذا النداء والمصادقة عليه. إننا لا نتوجه إلى الشعوب فقط، بل إلى الحكومات كذلك؛ لأن التوجه إلى شعوب البلدان المتحاربة وحدها، من شأنه أن يؤخر عقد اتفاقية الصلح. وشروط الصلح سيجري إعدادها أثناء الهدنة وتصديقها من قبل الجمعية التأسيسية. ونحن نريد من تحديد مدة الهدنة بثلاثة شهور أن نعطي الشعوب أطول فترة راحة ممكنة من الحرب الدامية والوقت الكافي لانتخاب ممثلين عنها. إن بعض الحكومات الإمبريالية ستعارض اقتراحاتنا السلمية، ونحن لا نضلل أنفسنا في هذا الصدد. ولكننا نأمل أن تشتعل الثورة في جميع الدول المتحاربة، ولهذا نتوجه تحديداً بإلحاح خاص إلى العمال الفرنسيين والإنجليز والألمان ... ".

وختم قائلاً: "إن ثورة 24 ـ 25 أكتوبر تدشن عصر الثورة الاجتماعية. إن الحركة العمالية في سبيل السلام والاشتراكية ستصل إلى النصر وستؤدي رسالتها ..."

لقيت هذه الكلمات حماساً وترحيباً من جموع الشعب، ثم قدم اقتراح يقضي بإعطاء حق الحديث لممثلي الكتل السياسية فقط وتحديد مدة الحديث بخمس عشرة دقيقة. فكان أول المتحدثين هو كاريلين عن الاشتراكيين ـ الثوريين اليساريين، فقال: "إن كتلتنا لم يتح لها فرصة تقديم تعديل على نص النداء، فهو صادر عن البلاشفة وحدهم. ولكننا سنصوت إلى جانبه مع ذلك، لأننا نرحب كل الترحيب باتجاهه العام…".

وتحدث كراماروف عن الاشتراكيين ـ الديموقراطيين الأمميين، أعلن قائلاً أنه ليس يمكن إلا لحكومة مؤلفة من ممثلي جميع الأحزاب الاشتراكية أن تكون لها الصلاحية الكاملة للإقدام على عمل بمثل هذا القدر من الأهمية. فإذا ما تشكل مثل هذا الائتلاف الاشتراكي فإن كتلتنا ستؤيد البرنامج بكامله، وإلا فإنها ستؤيده جزئياً فقط. أما فيما يتعلق بالنداء فإن الأمميين يؤيدون نقاطه الأساسية.

وبعد هذا تحدث الخطباء الواحد إثر الآخر، في جو من الحماسة المتزايدة. وأيد النداء ممثلو الاشتراكيين ـ الديموقراطيين الأوكرانيين، والاشتراكيين ـ الديموقراطيين الليتوانيين، والاشتراكيين الشعبيين، والاشتراكيين ـ الديموقراطيين البولونيين واللاتفيين. وكذلك أيد الحزب الاشتراكي البولوني النداء، ولكنه ألمح إلى أنه يفضل الائتلاف الاشتراكي. وأعلن أحد المندوبين قائلاً: "ثمة شئ من التناقض. في البداية تقترحون صلحاً دون تعويضات، ثم تقولون أنكم مستعدون للنظر في جميع مقترحات الصلح. والاستعداد للنظر يعني الإقرار...".

وفي الحال هب لينين واقفاً وقال: "إننا نريد صلحاً عادلاً، ولكننا لا نخشى الحرب الثورية، والأرجح أن الحكومات الإمبريالية لن تستجيب لدعوتنا، ولكننا لا ينبغي أن نقدم لهم إنذاراً نهائياً يكون من اليسير جداً الرد عليه بالرفض. فإذا ما رأت البروليتاريا الألمانية أننا مستعدون لبحث أي اقتراح للصلح فقد يكون هذا هو القطرة الأخيرة التي تجعل الكأس تطفح، فتندلع الثورة في ألمانيا. إننا موافقون على بحث أية شروط للصلح، ولكن هذا لا يعني البتة أننا موافقون على قبولها. إننا سنناضل حتى النهاية، في سبيل بعض شروطنا، ولكن من الممكن جداً أن تكون بينها شروط لا نرى أن من الضروري متابعة الحرب في سبيلها. ولكن الأمر الرئيسي هو أننا نريد الانتهاء من الحرب...".

كانت الساعة قد بلغت العاشرة والدقيقة الخامسة والثلاثين تماماً، حين اقترح كامينيف على جميع المؤيدين للنداء أن يرفعوا بطاقات انتدابهم. وحاول أحد المندوبين أن يرفع يده معارضاً، ولكن عاصفة الاستنكار التي انفجرت من حوله كانت من الشدة بحيث جعلته يسرع في التراجع. وتم الإقرار بالإجماع.

مرسوم الأرض

وبعد إقرار مرسوم السلام بالإجماع، وقف لينين وقرأ مرسوم الأرض:

1.   تُلغى الملكية الكبيرة للأرض على الفور دون أي تعويض.

2.   توضع الملكيات العقارية الكبيرة، كذلك جميع أراضي الإقطاع، وأراضي الأديرة والكنائس، مع جميع ممتلكاتها الحية والميتة ومبانيها وتوابعها، تحت تصرف اللجان الزراعية في الأقضية وسوفييتات نواب الفلاحين في النواحي حتى انعقاد الجمعية التأسيسية.

3.   كل إتلاف للممتلكات المصادرة، التي هي منذ الآن ملك للشعب بأسره، يعد جريمة خطيرة توقع صاحبها تحت طائلة العقاب أمام المحكمة الثورية. وعلى سوفييتات نواب الفلاحين في النواحي أن تتخذ جميع التدابير اللازمة للمحافظة على النظام الصارم، عند مصادرة أراضي كبار الملاك، وتحديد مساحة الأراضي موضوع المصادرة وتعيينها بدقة، ووضع قائمة دقيقة بجميع الممتلكات المصادرة، وتأمين الحماية الثورية لجميع الاستثمارات الزراعية والمنشآت والماشية والمؤونة، إلخ. التي تنتقل إلى الشعب.

4.   إن توصيات الفلاحين الإلزامية التالي نصها، التي وضعت من قبل هيئة تحرير "أزفستيا سوفييت نواب الفلاحين لعموم روسيا"، على أساس (242) توصية فلاحية محلية، والمنشورة في عدد "الأزفستيا" هذه رقم (88) [بتروجراد، رقم (88)، 19 أغسطس عام 1917] يجب الاسترشاد بها عند القيام بالتحويلات الزراعية الكبرى إلى أن تتخذ الجمعية التأسيسية القرار النهائي بشأنها.

5.   لا تصادر أراضي الفلاحين البسطاء والقوزاق البسطاء.

وأضاف لينين قائلاً: "ليس هذا بمشروع الوزير السابق تشيرنوف الذي كان يقول بضرورة التمهيد لذلك ويحاول إجراء الإصلاح من فوق. إن مسألة توزيع الأراضي ستبدأ من القاعدة، عن كثب. وما يصيب الفلاحين من الأرض سيكون حسب المنطقة التي يقيم فيها".

وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل طرح مرسوم الأرض للتصويت وتم إقراره بكامل الأصوات مقابل صوت واحد معارض.

تشكيل الحكومة

وفي الساعة الثانية والدقيقة الثلاثين صباحاً ساد الاجتماع صمت وتوتر. قرأ كامينيف مرسوم تشكيل الحكومة: "تؤلف من أجل إدارة البلاد، حتى انعقاد الجمعية التأسيسية، حكومة عمال وفلاحين مؤقتة تسمى مجلس مفوضي الشعب. ستتولى إدارة مختلف نواحي حياة الدولة لجان، يكون على أعضائها مهمة تنفيذ برنامج المؤتمر بالتعاون الوثيق مع المنظمات الجماهيرية للعمال والعاملات والبحارة والجنود والفلاحين والمستخدمين. والسلطة الحكومية تعود للهيئة المؤلفة من رؤساء هذه اللجان، أي لمجلس مفوضي الشعب.

إن الرقابة على نشاط مفوضي الشعب وحق عزلهم من حق مؤتمر سوفييتات نواب العمال والفلاحين والجنود لعامة روسيا ولجنته التنفيذية المركزية..." وساد القاعة هدوء تام ؛ وبعد ذلك صاحبت عواصف التصفيق قراءة قائمة مفوضي الشعب بعد كل اسم، وبخاصة لينين وتروتسكي كالتالي:

"... رئيس المجلس- فلاديمير أوليانوف (لينين)؛

مفوض الشعب للداخلية: ريكوف،

للزراعة: ميليوتين،

للعمل: شليا بنيكوف

للحربية والبحرية: لجنة مؤلفة من: أوفسيينكو (أنطونوف)، كريلنكو، ديبنكو؛

للتجارة والصناعة: نوغين؛

للتعليم العام: لوناتشارسكى؛

للمالية: سكفورتسوف (ستيبانوف)؛

للخارجية: برونشتاين (تروتسكى)؛

للعدل: أبّوكوف (لوموف)؛

للتموين: تيودوروفيتش؛

للبريد والبرق: أفيلوف (غليبوف)؛

رئيس لشئون القوميات: جوغاشفيلى (ستالين)

يبقى شاغراً بصورة مؤقتة منصب المفوض لشئون السكك الحديدية".

انتخاب مجلس مفوضي الشعب

وبعد ذلك جرى انتخاب مجلس مفوضي الشعب بالأغلبية الساحقة من الأصوات. ولم يستغرق البرلمان الجديد للجمهورية الروسية ، أكثر من ربع ساعة. وقرأ تروتسكي النتائج: مئة عضو، منهم سبعون بلشفياً، أما الفلاحون والأحزاب المنسحبة من المؤتمر فقد بقيت لهم مقاعد شاغرة. وختم تروتسكي قائلاً: "إننا نرحب في الحكومة بجميع الأحزاب والجماعات التي تتبنى برنامجنا".

وإثر هذا اختُتِمَ، على الفور، مؤتمر السوفييتات الثاني لعموم روسيا لكي يتمكن مندوبوه من السفر بأقصى سرعة إلى جميع أنحاء روسيا ليبلغوا عن الأحداث الكبرى التي جرت. ويقول جون ريد: كانت الساعة قد بلغت السابعة صباحاً تقريباً حين أيقظنا قائدي عربات الترام الواقفة أمام سمولني، التي أرسلها اتحاد عمال الترام لنقل المندوبين إلى منازلهم. وقد كان الجو في العربات المزدحمة أقل فرحة، على ما بدا لي، مما كان عليه في الليلة الماضية. فقد كان تبدو على الكثيرين علامات القلق الشديد. ولربما كانوا يسائلون أنفسهم: "ها نحن قد أصبحنا سادة البلد، فكيف سيتسنى لنا تحقيق إرادتنا؟...".

الجمعة 27 أكتوبر (9 نوفمبر)

قوات الثورة المضادة تتصدى للثورة

لم تستسلم قوات الثورة المضادة للهزيمة، فقاد كيرينسكي، مع الجنرال كراسنوف، وحدات من القوزاق من مدينة أوستروف في اتجاه بتروجراد بهدف استردادها من الثوار. وفي 27 أكتوبر (حسب التقويم الروسي القديم)، احتل القوزاق، بقيادة كراسنوف، "غاتشينا" الواقعة جنوب غربي العاصمة. وفي اليوم التالي احتلوا "تساركويه ـ سيلو"، وتقدموا حتى مسافة 20 كيلومتراً من العاصمة، في الوقت الذي أحبط فيه الثوار البلاشفة محاولة قام بها طلبة المدرسة العسكرية للتمرد في بتروجراد. وتكاتفت فصائل الحرس الأحمر ووحدات حامية بتروجراد والمدفعية والسيارات المصفحة وسفن أسطول البلطيق الحربية في مواجهة هجوم القوزاق. ونجح الحرس الأحمر والقوات الثورية في وقف تقدم القوزاق والانتصار عليهم، على مرتفعات بولكوفو، في 30 ـ 31 أكتوبر، وإجبارهم على التراجع نحو "غاتشينا". مما هيأ الفرصة للثوار كي ينتقلوا من الدفاع إلى الهجوم.

طلب قسم من القوزاق التفاوض مع البلاشفة، فتوجه ديبينكو يرافقه بحار ثوري واحد، مساء الأول من نوفمبر (تقويم قديم) إلى "غاتشينا"، حيث يتمركز مقر قيادة القوات الرئيسية للقوزاق، ونجح في إقناع جموع القوزاق بوقف القتال ضد البلاشفة وتسليم غاتشينا، بل وتقرير اعتقال كيرينسكي وكراسنوف، وتسليمهما للحكومة السوفييتية. وفي اليوم التالي أصدرت "اللجنة الثورية العسكرية" بلاغاً عن العمليات، أعلنت فيه دحر قوات كيرينسكي، واعتقال جميع أركانه، وعلى رأسهم كراسنوف وفويتينسكي، في حين هرب كيرينسكي متخفياً في زي بحار.

اشتباكات دامية في شوارع موسكو

اعتباراً من السابع والعشرين من أكتوبر (تقويم قديم) نشبت في شوارع موسكو اشتباكات دامية، سرعان ما تحولت إلى معركة حقيقية، بين قوات الثورة وقوات الثورة المضادة. وتصدت فصائل الحرس الأحمر والجنود، لقوات الثورة المضادة، التي نجحت في الاستيلاء على الكرملين وبعض المواقع المهمة في موسكو، وسارع عمال قولا وفلاديمير، وغيرهما من المدن المجاورة لموسكو، إلى نجدة ثوار موسكو. وقاد فرونزه الفصيلة المؤلفة من عمال مدينتي إيفانوفو وشويا لمؤازرة الثوار في موسكو. ومن بتروجراد وصلت فصائل البحارة الثوريين. وخاض الثوار معارك طاحنة ضد قوات الثورة المضادة، لانتزاع المواقع التي تسيطر عليها.

وفي 2 نوفمبر استسلمت لجنة الإنقاذ، التي حركت المعركة ضد القوى الثورية. وأصبحت السلطة كلها في يدي اللجنة العسكرية الثورية في موسكو. ورُفع العلم الأحمر على الكرملين، وأصبح الكرملين بعد ذلك القلعة الرمزية للشيوعية. وفي 3 نوفمبر (تقويم قديم)، أعلنت اللجنة الثورية العسكرية تدمير قوات الثورة المضادة في موسكو، بعد معركة دامت خمسة أيام، وانتصار السلطة السوفييتية في باكو وبسكوف. ونشب العديد من الاشتباكات والمعارك الأخرى، من أجل إقامة سلطة السوفييتات، في كييف وخاركوف وطشقند وفلاديفوستوك ومعظم أرجاء سيبيريا وغيرها من المناطق الروسية. في حين تم انتقال السلطة إلى البلاشفة، في كثير من المناطق، بشكل سلمي. وفي 20 نوفمبر احتلت القوات السوفييتية مقر قيادة موجيليف العليا.

لقي الحزب البلشفي، أثناء ثورة أكتوبر، تأييد وحدات كبيرة من القوات المسلحة الروسية. في حين وصل حجم "الحرس الأحمر"، في العاصمة وحدها، زهاء (40) ألف مسلح، بينما انتشر (200)ألف آخرون، من عناصر "الحرس الأحمر"، في أنحاء روسيا. ووصل عدد الجنود الثوريين، في حامية بتروجراد، إلى حوالي (150) ألف رجل، وفي أسطول البلطيق المؤيد للبلاشفة، بلغ عدد المؤيدين للبلاشفة نحو (180) ألف بحار، يعملون على متن (700) سفينة حربية وقارب مساعدة. وانضم مئات الألوف من الجنود الثوريين، في جيش الميدان، وحاميات مؤخرة القوات المسلحة إلى الثورة البلشفية. وانعزلت الحكومة المؤقتة عن جماهير الشعب الروسي، وعن والحدات العسكرية الروسية. ولم يقف إلى جانب الحكومة المؤقتة، من القوات المسلحة الروسية، سوى اليونكرز. حتى وحدات القوزاق التي كانت أمل الحكومة الرئيسي، لم تغادر ثكناتها، رافضة تنفيذ أوامر الحكومة، وفي بتروجراد نجحت الثورة البلشفية، دون إراقة دماء نسبياً، في حين اتسمت مقاومة القوى المضادة للثورة بالعنف في موسكو، مما ضاعف عدد الضحايا لدى الطرفين.