إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الثورة البلشيفية









الفصل الأول

الفصل الأول

الأحوال الاقتصادية والدفاعية والاجتماعية في روسيا

أولاً: اتساعها ومشكلاتها الاقتصادية

احتفظت روسيا بعد سقوط نابليون وانتهاء مؤتمر فينا عام 1815 بحدودها الواسعة في أوروبا، وفي الوقت نفسه كانت تمتد نحو الشرق امتداداً هائلاً إلى المحيط الهادئ وبذلك كانت أكثر الإمبراطوريات اتساعاً. كانت تضم أجزاء واسعة في أوروبا، منها فنلندا وبولندا وهما يعتنقان المذهب الكاثوليكي، بينما يعتنق الروس المذهب الأرثوذكسي. وكان الفنلنديون والبولنديون يكرهون الحكم الروسي ويحاولون التخلص من تلك العبودية. وأما في آسيا فقد تغلغل الروس نحو الجنوب الشرقي من القارة حيث حكموا شعوب القوقاز ومغول التركستان، وامتدت حدودهم إلى أطراف تركيا وإيران وأفغانستان، مما أدخل الرعب في نفوس البريطانيين في الهند، وزاد من حدة الكراهية بين الروس والإنجليز خلال القرن التاسع عشر.

وظلت الدول الأوروبية، طيلة القرن التاسع عشر، تخشى الشبح الروسي، وزاد في قلقها ذلك الغموض الذي كان يكتنف سياسة روسيا، إذ كان الأوروبيون لا يعرفون كثيراً عما يجرى في تلك البقاع الشاسعة، وكان من العسير عليهم التجسس ومعرفة أبعاد قوتها، أو يقدروا مواردها. أضف إلى ذلك حيرتهم في سياسة القيصر المبهمة، فهي تارة سياسة لين وتفاهم، وهي تارة أخرى سياسة عدوانية وتهديد ووعيد.

ولكن على الرغم من سياسة التوسع التي اتبعها القياصرة. كان الروس يفتقرون إلى التنظيم والتجديد، وربط تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف بوسائل المواصلات الحديثة، مثلما فعلت الولايات المتحدة عندما بدأت في التوسع غرباً، ولذلك كانت الحياة الاقتصادية في روسيا تسير على نمط العصور الوسطى.

وتدل الإحصاءات الاقتصادية على مدى تأخر روسيا في ميدان التجارة حتى عام 1914، بالقياس إلى الدول الغربية، فلم تبلغ صادرات تلك الإمبراطورية الواسعة ووارداتها ما بلغته بعض الدول الأوربية الصغيرة. فقبل الحرب الكبرى بعام واحد، كانت تجارتها الخارجية تعادل نصف تجارة هولندا، التي لا يكاد يبلغ عدد سكانها 1/20 من سكان روسيا، ومساحتها 1/100 من مساحتها في ذلك الوقت، أضف إلى ذلك أن طبيعة التجارة الروسية تدل على مدى تأخرها، فقد كانت روسيا تستورد الفحم والمواد الكيميائية والأسلاك المعدنية والآلات والأسلحة والمنسوجات والمصنوعات المختلفة. أما صادراتها فكانت مقصورة على بعض المحصولات الأولية، كالحبوب والكتان والقنب والخشب والفرو والجلد ومنتجات الألبان، وهي الحاصلات التي تصدرها المستعمرات والدول الزراعية الصغيرة إلى الدول الصناعية، وذلك على الرغم من أن بلادها كانت غنية بالفحم والحديد والنفط والمعادن والقوى المائية. وقد كان ممكناً أن يساعدها ذلك على أن تكون من أعظم الإمبراطوريات الصناعية في العالم، ولكن كانت تنقصها رؤوس الأموال والعقول المفكرة المبتكرة، ولهذا كان أهم المرافق فيها، كالمصانع والسكك الحديدية وغيرها، تمولها رؤوس أموال أجنبية، وتذهب أرباحها إلى أصحاب تلك الأموال من الأجانب.

وظلت الحياة الاقتصادية تسير في روسيا على هذا النمط إلى أن قامت النهضة الصناعية في ألمانيا، وظهرت اليابان كدولة حديثة لها خطرها، عندئذ تنبهت روسيا إلى سوء حالتها، وأدركت الفائدة التي تعود عليها إذا اتجهت نحو تصنيع بلادها، وربطت بين أجزاء ولاياتها الشاسعة كما فعلت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وبذلك تصبح روسيا أقوى دولة صناعية وأغنى البلاد الزراعية، ولاسيما إذا استخدمت قوتها في الرجال ومواردها الاقتصادية الكبيرة، ولكن روسيا ظلت في حاجة إلى قادة وزعماء يستطيعون أن يتغلبوا على مشكلاتها الرئيسية من حيث تعميم التعليم واكتساب المهارة الميكانيكية الدقيقة. وقد حاول إسكندر الثاني أن يلغى السخرة في عام 1861 ولكن ظل كثيراً من هؤلاء الرقيق عبيد عاداتهم، لا يريدون أن يبرحوا أرض أسيادهم، وأما من اختار من الفلاحين أن يبحث عن عمل له في المصانع، فإنه عانى كثيراً من ضروب الذل والفقر، وكان هؤلاء يعملون في المصانع، في ظروف سيئة، حوالي اثنتي عشرة ساعة في اليوم، فساءت حالتهم الصحية والمعنوية.

في مثل هذا المجتمع يستطيع المحرضون أن يجدوا الطريق ممهداً لهم بين العمال، وتكونت منهم جماعات على هيئة نقابات TRADE UNIONS تطالب بحق العمال في الراحة وزيادة الأجور والخدمات الإجتماعية، وظهرت بينهم، بعد عام 1900 حركات الإضراب والاعتصام، وقد كان عام 1905 من الأعوام العصيبة التي مرت بروسيا فقد انهزمت أمام اليابان، وضعفت الحكومة ضعفاً بيناً أمام الشعب، وانتهزت طبقة العمال الفرصة فغادر ثلاثة ملايين عامل مصانعهم، محتجين على طول ساعات العمل وانخفاض الأجور وشدة الطغيان. واضطر أصحاب الأعمال إلى استرضائهم بمنحهم بعض ما يطلبون، ولكن ذلك لم يقض على أسباب التذمر، التي كانت سياسية واقتصادية معاً.

محاولات الإصلاح

واستطاعت منظمات العمال الروس أن تحصل بالتدريج على معظم مطالبها، في الفترة ما بين 1900 و 1914. فمنذ عام 1903 أدخلت الحكومة نظام التأمين ضد الحوادث، والرعاية الطبية والإجازات المرضية بالمرتب الكامل، وارتفعت الأجور خمسين في المائة تقريباً. ومنذ بداية القرن العشرين ظهرت نهضة تعليمية وفكرية، ولكنها انحصرت في أقلية صغيرة بالنسبة إلى عدد السكان، أضف إلى ذلك أن صعوبة الاتصال، واختلاف اللهجات والعادات والأذواق، في بلاد مترامية الأطراف، يضعف وحدة الفكر والشعور بالقومية، حيث كان في روسيا عدة أقليات مختلفة في الجنس والقومية، كالبولنديين والفنلنديين واللتوانيين والجرمان واليهود والتتار وغيرهم، ممن يكونون حوالي ثلث رعايا القيصر، وقد حاولت الحكومات الروسية أن تعمل على إدماج تلك الأقليات في القومية الروسية بأية وسيلة، ولكنها اتخذت لتلك الغاية وسائل عنيفة قاسية زادت من تذمر تلك الأقليات وعداوتها للقومية الروسية، وفضلت أن تنطوي على نفسها محاولة الابتعاد عن الاضطهاد، لذلك كان ينقص تلك الدولة الكبرى حكومة مركزية، تستطيع أن تكتسب محبة رعاياها جميعاً، حتى يشعر كل منهم أنه مواطن روسي كامل الحقوق، وفي الوقت نفسه تحرر نشاطهم من القيود الثقيلة المفروضة عليهم فتحل الوحدة والانسجام محل الضغط والإكراه.

على أن التحول الاقتصادي والصناعي الذي حدث في روسيا، بعد عام 1900، كان له أثره في إيجاد نوع من الاتصال بين شعوب روسيا وجعلهم أكثر ارتباطاً وتجانساً عن ذي قبل، ووحد أذواقهم إلى حد كبير، وساعد على ذلك انتشار الصحافة، وظهور نهضة أدبية فكرية تزعمها عدد من المفكرين والكتاب، فكان لابد من انقلاب في نظم الحكم، ولكن لم يكن أحد يقدر أن ذلك الانقلاب سوف يتمخض عن الشيوعية.

ثانياً: مشكلة الدفاع

أما عن مشكلة الدفاع في روسيا فقد كان الجيش الروسي، قبل القرن العشرين، خاضعاً لقيادة ضباط غير أكفاء، وعلى الرغم من كثرة عدده، إلاّ أنه كان ضعيف العدة ضعيف التدريب. وكانت أسلحته عتيقة وتموينه مرتبكا، لا يصلح لخوض حرب حديثة. وقد تأخرت روسيا عن غيرها من الدول الأوربية في هذا المضمار، وظلت تبتاع ما تحتاج إليه من الأسلحة من فرنسا وبريطانيا ومن خصومها الألمان، وتدفع أثمان تلك الكميات الهائلة التي لابد من توزيعها على جيشها الكبير من صادراتها الزراعية، وفي عام 1910 فكرت روسيا في أن تؤسس في بلادها مصانع للأسلحة، لتكون في غنى عن إنفاق مواردها خارج بلادها، ومع ذلك فإنها لم تستطع تحقيق اكتفائها الذاتي، في التسليح، حتى قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وحاولت روسيا، منذ بداية القرن العشرين، أن تتبع النهضات الاقتصادية والصناعية في أوروبا، بمد السكك الحديدية لربط إمبراطوريتها، وهي الوسيلة التي كانت تتخذها الدول الأوربية للتوسع، ومد النفوذ، كمشروع ألمانيا في وصل برلين ببغداد، ومشروع إنجلترا في وصل القاهرة بمدينة الكاب، فمدت روسيا سكة حديد سيبيريا 1903، واتفقت على أن تمتد خطوطها، داخل إقليم منشوريا التابع للصين، حتى تصل إلى الميناء الروسي فلاديفستك. وقد دفعها التوسع نحو الشرق الأقصى إلى المطالبة، فيما بعد، بأن يكون لها مجال حيوي في شمال الصين، إذ كانت إمبراطورية الصين على وشك الانهيار مما جعلها محط أنظار الدول الأوروبية الكبرى.

ولكن أطماع اليابان في الصين جعلتها تتحدى روسيا وتعمل على منعها من التقدم في الشرق الأقصى وخصوصاً منشوريا وكوريا ولاسيما أن مد سكك حديد سيبيريا واختراقها لمنشوريا سوف يزيد من نفوذ روسيا في الشرق الأقصى، فلم يكد يمر عام، على إتمام سكة حديد سيبيريا، حتى استعد اليابانيون بكل قواهم واستطاعوا أن يطردوا القوات الروسية من حدود كوريا، وحطموا الأسطول الروسي خارج بورت أرثر وفلادفستك واستولوا على ميناء (بورت آرثر) في يناير عام 1905 فتقهقر الروس وتبعهم اليابانيون حتى مكدن "MUKDEN" وهزموهم شر هزيمة.

ثالثاً: العدالة الاجتماعية

كان يحكم تلك الإمبراطورية الواسعة حاكم مطلق هو قيصر روسيا، الذي كان يعتمد، في حكم تلك الأقطار الموزعة النائية، على فريق من النبلاء، الذين كانوا بعيدين عن مقر الحاكم ولا رقيب عليهم، ومن ثم كان نظام الحكم، في الولايات الروسية جميعها، استبدادياً تعسفياً. وكان لهؤلاء النبلاء سلطان مطلق على فلاحيهم، إذ كان هؤلاء يعيشون رقيقاً مرتبطين بالأرض التي يزرعونها، كما كان الحال في أوروبا في العصور الوسطى، وظل هؤلاء الفلاحون مستسلمين في أول الأمر، نظراً لأن نفوذ الكنيسة كان يطغى على تفكيرهم، ولما كانت الكنيسة إذ ذاك خاضعة لنفوذ القيصر فقد بقى الشعب، عدة قرون، ساكناً خاضعاً لا يشكو ولا يتذمر.

وظلت الطبقة الوسطى في روسيا لا أثر لها على الرأي العام، نظرا لقلة عدد أفرادها، ولم يكن لها ما لنظيراتها في الدول الأوربية الأخرى من تأثير في حياة البلاد، فقد كانت طبقة التجار في روسيا من اليهود أو الأجانب، وكان اليهود الروس مكروهين من الشعب، وفي الوقت نفسه لم يحفزهم داعي القومية أو الوطنية إلى القيام بأي حركة شعبية، إذ كان اهتمامهم كله موجها إلى مصالحهم المادية قبل أي شيء آخر.

وبينما كان ملوك الغرب ـ رغم تمتعهم بالسلطة المطلقة ـ يعترفون بسلطان القانون، فإن القيصر لم يكن يعترف بوجود القانون، ومثال ذلك أن القيصر بول الأول (1796 – 1801) كان عندما تذكر كلمة القانون أمامه، كان يشير عندئذ إلى صدره، ويقول "هنا القانون" وبينما كانت دول الغرب، في القرن التاسع عشر، تجاهد في سبيل حريتها وتخليص شعوبها من الحكم المطلق، كان قياصرة الروس يتشبثون به، ويعملون على إخماد حركات الإصلاح واضطهاد القائمين بها.

على أن بعض القياصرة قد حاول ـ أمام ضغط الظروف ـ أن يدخل بعض الإصلاحات على النظم القائمة، ولكنها كانت في الواقع كإلقاء قطرة من الماء على حريق مشتعل، أضف إلى ذلك أن السلطة التي تكمل الحكم المطلق في روسيا، وتسنده وتدعمه، كانت سلطة النبلاء الروس، وهي سلطة بيروقراطية تكره التجديد وتحارب الإصلاح؛ لأن المبادئ الجديدة التي كان ينادي بها فريق من الأحرار الروس، تهدم ما كان يتمتع به هؤلاء الحكام من سلطان، وتحرمهم من الإثراء والتنعم على حساب الشعب. وقد وصف بعض المؤرخين تلك البيروقراطية الروسية بأنها كانت كالأرض الرملية، إذا رويتها بالماء لم تجد له أثراً. وهناك ظاهرة أخرى تجلت في بعض القياصرة، الذين رأوا أن يستجيبوا لدعاة الإصلاح، فكانوا يعطون قسطاً ضئيلاً من الحرية للشعب، ثم سرعان ما يتراجعون عندما يلمسون خطراً على سلطتهم، فيعود الحكم الصارم، وتُصادر الحريات، ويقبض على طلبة الجامعات، ويُنفى الأحرار إلى سيبيريا.

كانت حكومة القيصر نيقولا الثاني (1894 ـ 1917) تمر في أزمات شديدة، فقد قامت ثورات عديدة اشترك فيها طلبة الجامعات الروسية، والطبقة الوسطى، التي تشبعت بالثقافة الغربية والتي كانت تطالب بتعديل الدستور، وطبقة الفلاحين التي كانت تطالب بسن قوانين عادلة تنظم تأجير الأرض لهم، وعمال المصانع الذين انتشرت بينهم المبادئ الماركسية. أضف إلى ذلك تذمر القوميات المهضومة الحقوق الخاضعة لحكومة القيصر، وما تعرضت له الحكومة من سخط عدد كبير من أرباب الفكر المنفيين في سيبيريا، كل هذه الطوائف الحانقة على النظام القيصري شكلت جبهة ضخمة من المقاومة هددت النظام القائم. فقد كثرت حوادث الاضطرابات والتظاهر، وكان رد الحكومة على ذلك، استعمال العنف والاضطهاد كما حدث في يوم الأحد 22 يناير 1905، الذي سمى بالأحد الدامي، لكثرة ما سال فيه من دماء، عندما ذهب فريق من المتظاهرين العمال إلى قصر القيصر، لرفع ملتمسهم بزيادة الأجور وإنقاص ساعات العمل وإصدار الدستور، فقوبلوا بوابل من الرصاص فقُتل منهم سبعون عاملا وجرح مائتان، مما زاد في سخط الشعب على الحكومة القيصرية.

ولم يكن نيقولا الثاني بالرجل الذي يستطيع أن يقود السفينة وسط الزوابع، فقد اجتمع فيه ضعف الإرادة، إلى جانب الميل إلى العناد وعدم تقدير أهمية الحوادث، وكان يعتقد اعتقاداً راسخاً في الحكم المطلق، ومن ثم اختار وزراءه ممن يوافقونه على هذا المبدأ. ولكنه وجد المعارضة العنيفة من كل جانب، ولا سيما بعد هزيمة روسيا أمام اليابان، ولم يجد القيصر بداً من قبول نصيحة مستشاريه، فأصدر في أكتوبر عام 1905 بياناً، صرح فيه برغبته في أن يمنح الشعب ضمانات للحرية الشخصية، تتمثل في برلمان منتخب (DUMA)، ووعد بأن يكون لهذا البرلمان الحق في التصديق على التشريعات، التي تصدرها الحكومة. وقد قنع الأحرار المعتدلون بهذا التغير، الذي طرأ على سياسة القيصر، وقد سُمى هؤلاء بالأكتوبريين STSIREBOTCU، ولكن فريقاً من متطرفي الأحرار ـ كانوا لا يصدقون وعود القيصر ـ نادوا بوضع دستور رسمي للدولة وإصدار "قانون الحقوق".

على أن زعماء الإصلاح كانت تنقصهم وحدة الرأي، واتحاد الكلمة، فلما اجتمع مجلس الدوما، وأظهر أعضاؤه شيئاً من التطرف وحرية الرأي حله القيصر، ولاقى المجلس الثاني الذي أعقبه المصير نفسه، ورأى القيصر أن يصدر مرسوماً بتعديل قانون الانتخاب بحيث سهل، في ذلك التعديل، سيطرة كبار الملاك على الانتخابات. وجاء المجلس الثالث وليد تدخل النبلاء والضغط على الناخبين، ومع ذلك لم تكن الحكومة تثق فيه، ولم يكن المجلس يثق فيها، وظل الصراع قائماً حتى قامت الحرب العالمية الأولى.

كان أعضاء مجلس الدوما ينتمون إلى عدة أحزاب سياسية، كلها تعارض الحكم المطلق. ولكنها لم تستطع أن تكون جبهة متحدة قوية ضد الحكومة، فالأكتوبريون كانوا يكتفون بتحقيق ما جاء في بيان أكتوبر عام 1905، الذي أصدره القيصر، وكانوا يهدفون إلى إقامة حكومة على نمط النظام البروسي، الذي يتعاون فيه البرلمان مع الملك.

أمّا أعضاء الحزب الثاني، وهم الديمقراطيون الدستوريون، (الكادت) "CADETS"، فكانوا ينادون بأن تكون الحكومة مسؤولة أمام مجلس الدوما، وأن يملك القيصر ولا يحكم. إلى جانب ذلك كان هناك حزبان يساريان: حزب الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الثوريين الاشتراكيين.

وأما مسألة الأراضي فقد كان لكل حزب من هذه الأحزاب رأي في طريقة توزيعها: فالأكتوبريون يرغبون في توزيع بعض القطع على صغار الفلاحين، بحيث يصبح كل فلاح يملك القطعة الصغيرة التي كان يزرعها في الأراضي الواسعة. وأما الديمقراطيون الدستوريون فيطالبون بإلغاء ملكيات المزارع الواسعة ويطالبون الحكومة بأن تساعد الفلاح على شراء الأرض من الملاك الكبار، بالقرض اللازم الذي يسدده على أقساط طويلة المدى. أمَّا الديموقراطيون الاشتراكيون والثوريون الاشتراكيون فيتفقون على المطالبة بمصادرة جميع الأراضي في روسيا في الحال، ولكنهم يختلفون في الطريقة التي توزع بها تلك الأراضي، فالديمقراطيون الاشتراكيون يرون أن تكون الأراضي كلها ملكاً للدولة على أن تؤجر للفلاحين، أمّا الثوريون الاشتراكيون فهم يعارضون في أن تكون الحكومة هي المالكة للأرض، أو أن تُخصص أي أرض لفلاح بعينه، بل يرون أن يقوم نظام لاستثمار الأرض من خلال جماعات تعاونية من الفلاحين.