إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



الدولة السعودية الثالثة

الفصل السابع

تنظيم الدولة السعودية، في عهد الملك عبدالعزيز

 

بعد أن وحد الملك عبدالعزيز معظم أجزاء الجزيرة العربية، وانتشر الأمن في ربوعها، بفضل ما طبقه من أحكام شرعية، وما نفذه من أعمال، في مختلف الميادين ـ أخذت البلاد السعودية تخطو خطوات حضارية مميزة، خاصة بعد ظهور النفط، في المنطقة الشرقية. وشمل التطور عدة جوانب، مثل الإدارة العامة للبلاد، القضاء، الحسبة، الشؤون المالية، الأمن، التعليم، الجيش، الزراعة، الصحة والمواصلات.

1. تحويل اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، إلى اسم المملكة العربية السعودية

كان الملك عبدالعزيز، قد اتخذ لقب "أمير نجد ورئيس عشائرها"، في بداية سيطرته على نجد. وفي عام 1339هـ/ 1921م، اتخذ لقب "سلطان نجد"، عقب مؤتمر الرياض. وفي عام 1344هـ/1925م، بايعه أهل الحجاز ملكاً عليهم، فأصبح لقبه: "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها".

وفي 25 رجب عام 1345هـ/يناير 1927م، بايعه أهل نجد ملكاً عليهم. وتحولت سلطنة نجد إلى مملكة. فصار لقبه: "ملك الحجاز ونجد وملحقاتها". وكانت البلاد تأخذ الاسم نفسه، فكان اسمها "سلطنة نجد وملحقاتها". ثم بعد فتح الحجاز، صار اسمها "مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها"، ثم صار اسمها "مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها"، أو" المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها" (انظر ملحق إعلان ملكية سلطنة نجد).

وعلى أثر القضاء على ثورة ابن رفادة، وفتنة الأدارسة، وما أذيع أنها من تدبير حزب الأحرار الحجازي ـ رأى بعض الوجهاء والأعيان ضرورة قطع الطريق على الفتن، التي تظهر بسبب التفرقة بين الحجاز ونجد. فأبرقوا إلى الملك عبدالعزيز، يعرضون رغبتهم في أن يكون اسم الدولة (المملكة العربية السعودية)، بدلاً من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها)، ليعبّر هذا الاسم عن معنى توحيد البلاد. فرحب الملك بذلك. وأصدر مرسوماً ملكياً بالرقم 2716، في 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، يقضي بتحويل اسم الدولة إلى المملكة العربية السعودية، ابتداء من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق للأول من الميزان/ويقابل يوم 23 سبتمبر 1932م (اُنظر ملحق نص مرسوم توحيد المملكة العربية السعودية).

وبناء على ذلك، اتخذ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، لقب "جلالة ملك المملكة العربية السعودية". وسعى أهل المملكة العربية السعودية إلى بحث أمر ولاية العهد. فأجمعوا أمرهم على أن يكون أكبر أنجال الملك، الأمير سعود بن عبدالعزيز، ولياً للعهد. وأبرق مجلس الوكلاء، ورئاسة القضاء والمحاكم، ومجلس الشورى، إلى الملك برغبتهم هذه. ووافق عليها، وأخذت البيعة للأمير سعود، في 16 محرم 1352هـ/11مايو1933م.

واستمر الملك عبدالعزيز في حكم البلاد، يسانده ولي عهده، الأمير سعود بن عبدالعزيز. وينوب عنه، في الحجاز، ابنه، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، إلى أن وافته المنية في مدينة الطائف، في يوم الإثنين 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر 1953م.

وبويع ولي العهد، الأمير سعود بن عبدالعزيز، ملكاً على المملكة العربية السعودية، في يوم وفاة الملك عبدالعزيز. وبويع، في الوقت نفسه، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، ولياً للعهد.

2. تنظيم الإدارة العامة للبلاد

كان الملك عبدالعزيز، يدير شؤون بلاده العامة، في فترة التوحيد، على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية، ومبدأ الشورى. وقد اتبع هذا النهج، مستفيداً من تاريخ أسلافه العظماء، قادة الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية. فقد كانت الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في بلاده. وكان يتشاور مع العلماء، وأمراء الحاضرة، ورؤساء القبائل، إضافة إلى أفراد أسرته، وذوي الرأي الصائب من البلاد. كما أن صفته القيادية، وخبرته الطويلة، أضافتا الشيء الكثير إلى تلك الطريقة، مما أدى إلى تطويرها.

واستفاد الملك عبدالعزيز، في الفترة الأولى من حكمه، من بعض الشخصيات النجدية المتعلمة، التي كانت تعيش خارج بلاده. فكانوا نعم العون له، سواء من بقي منهم في القطر الذي يعيش فيه، أو من قدم إلى نجد، وعمل تحت رايته، واحتل مناصب مهمة لديه. واستفاد، أيضاً، من شخصيات عربية غير نجدية، أتت إليه، بصفة عامة لاجئة من أوضاع بلدانها، والتحقت بخدمته في وظيفة، استشارية وتنفيذية، فتبوأت عنده مكانة رفيعة. وإضافة إلى هؤلاء وأولئك، استفاد من رجالات المناطق غير النجدية، خاصة الحجاز، التي توحدت تحت رايته.

وبعد أن قام الملك عبدالعزيز بتوحيد الأحساء والقطيف وعسير والحجاز، استفاد مما كان موجوداً فيها، من التنظيمات الإدارية، خاصة منطقة الحجاز، التي كانت الدولة العثمانية، قد أنشأت فيها كثيراً من المصالح والدوائر. وقد راعى الملك عبدالعزيز ظروف إقليم الحجاز الخاصة، فتعامل معه بحكمة ومرونة، واستفاد من تجارب من سبقوه، في تنظيم أمورها وإدارتها. وحينما دخل مكة المكرمة، جمع علماءها وأعيانها، وطلب منهم أن يكونوا عوناً على تسيير شؤون البلاد، وأن ينتخبوا من بينهم أعضاء ليعاونوا على تسيير أمور الإقليم. فانتخبوا من بينهم أحد عشر رجلاً، كونوا ما عُرف بالمجلس الأهلي (اُنظر جريدة "أم القرى"، السنة الأولى، العدد 3، الصادر في 29جمادى الأولى 1343هـ/26ديسمبر 1924م، ص 2؛ والعدد 10، الصادر في 19 رجب 1343هـ/10 فبراير 1925م، ص 1؛ والعدد 31، الصادر في9 محرم 1344هـ/1 أغسطس 1925م، ص3؛ والعدد32 الصادر في 16محرم 1344هـ/ 8 أغسطس1925م، ص 2 ـ 4، والعدد 34 الصادر في 30 محرم 1344هـ/23 أغسطس 1925م، ص1،4)، الذي عُهد إليه النظر في نظام المحاكم الشرعية، وتدقيق مسائل الأوقاف، ووضع نظام للأمن الداخلي، وسن لوائح للبلدية، لإدارة الصحة بمكة، ونشر التعليم فيها، وتعميم القراءة والكتابة، وتنظيم التجارة ووسائل البرق والبريد.

وكان أهل الحجاز، قد بايعوا الملك عبدالعزيز، في 22 جمادى الثانية سنة 1344هـ/7 يناير 1926م، ملكاً على الحجاز. وكان يسعى إلى توحيد الحجاز مع نجد، في وحدة، تحفظ لكل من هذَين الإقليمَين كيانه الخاص، خاصة بعد أن طلب منه أهل الحجاز، أن يديروا أمورهم بأنفسهم. فعين، في تلك السنة، ابنه، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، نائباً عنه في الحجاز. وجاء في جريدة "أم القرى"، الخبر التالي: "أمر جلالة الملك ـ أيده الله ـ نجله، سمو الأمير فيصل، أن يتولى رئاسة الحكومة، في مكة، ريثما يتم ترتيب التشكيلات العامة. وقد صدر أمره العالي، بأن يكون مع سموه، مجلس استشاري، مؤلف من حضرات الأفاضل: الشيخ حمزة الفعر، والشيخ صالح شطا، والشيخ عبدالعزيز العتيقي. وقد استلم سموه زمام الأمور، اعتباراً من صباح الأربعاء 28جمادى الثانية 1344هـ/14يناير1926م".

وتشكلت هيئة، لوضع أسس التنظيمات الإدارية للبلاد. وصدر عنها تعليمات، سُميت "التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية"، وذلك في 21 صفر سنة 1345هـ/31 أغسطس 1926م. (انظر ملحق التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية). وتألف، بموجبها، مجلس الشورى، الذي كان قوامه ثمانية أعضاء، يرأسه النائب العام للملك في الحجاز (الأمير فيصل بن عبدالعزيز). وكانت مهمة المجلس استشارية وتنظيمية، إلا أن له الحق، أيضاً، في لفت نظر الحكومة، في تطبيق الأنظمة. وقد أنجز ذلك المجلس كثيراً من الأنظمة والتعليمات والمقررات. كما شُكل، سنة 1345هـ/1926م، مجلس تنفيذي، من رؤساء الدوائر الحكومية، لمساعدة النائب العام في الحجاز، على إنجاز مهماته الإدارية. وقد تطور هذا المجلس، فانبثق منه، في رمضان سنة 1350هـ / يناير1932م، "مجلس الوكلاء"، الذي كان يرأسه النائب العام في الحجاز. وضم في عضويته وكيلَي الخارجية والمالية، ورئيس ديوان النائب العام ومعاونه، ونائب رئيس مجلس الشورى. (انظر ملحق نظام مجلس الوكلاء، الصادر في 7 رمضان 1350هـ / 1932م). ثم ازداد أعضاؤه، شيئاً فشيئاً، حتى حل محله مجلس الوزراء، سنة 1373هـ/1953م (انظر ملحق مواد نظام مجلس الوزراء، الصادر بالمرسوم رقم 5/19/1/4288، في 1 صفر الخير عام 1373هـ / 9 أكتوبر 1953م).

وكانت تلك التنظيمات الإدارية العامة، مركزة في منطقة الحجاز. أما شؤون نجد، والأمور السياسية العامة للبلاد، خاصة الخارجية منها، فكان يديرها الملك عبدالعزيز، من طريق عدة قنوات، منها:

أ. المجلس الخاص: كان يعقد مرتين، في اليوم، برئاسة الملك عبدالعزيز. ويحضره الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وولي العهد، الأمير سعود بن عبدالعزيز. كما يحضره من يحمل لقب وزير دولة، والمستشارون.

ب. الشعبة السياسية: كانت تتولى الشؤون الخارجية. وتحولت إلى مديرية الشؤون الخارجية، ومقرها في مكة. وكان يديرها الدكتور عبدالله سعيد الدملوجي. وفي 29 رجب 1349هـ/19 ديسمبر 1930، أنشئت وزارة الخارجية، وتولاها الأمير فيصل بن عبدالعزيز، طوال مدة حكم والده، ومدة حكم أخيه، الملك سعود.

ج. الديوان الملكي: يعنى بالأمور الداخلية.

كما كان هناك عدة شعب أخرى، ذات اختصاصات محددة، مثل شعبة البادية، والخاصة الملكية، والمحاسبة، والأعطيات، والوفود، والضيافة. وأسند الملك عبدالعزيز إلى ابنه الأمير سعود، الذي أصبح ولياً للعهد، سنة 1352/1933م، عدة أمور إدراية، في منطقة نجد، فأسهم إسهاماً واضحاً في تسيير الأمور الإدارية، في تلك المنطقة.

3. تأسيس الهجر، وتوطين البدو

في الوقت الذي كان الأمير عبدالعزيز بن سعود، يخوض المعارك، ويشن الغزوات، في سبيل توحيد البلاد، فإنه لم يغفل موضوع الاهتمام بتنظيم مجتمعه، وتنمية مؤسسات دولته الجديدة.

وكان مجتمع نجد ينقسم إلى قسمَين أساسيَّين: البادية والحاضرة. وقد أدرك الملك عبدالعزيز، أن من أسباب نجاح أسلافه من آل سعود، مناصرتهم للعقيدة الاسلامية الصافية، وتطبيقهم للشريعة الغراء. كما أدرك أن العمود الفقري لقوة أولئك الأسلاف، في مواجهاتهم خصومهم، كان الحاضرة من السكان. أدرك أن البدو الرحل، قد اعتادوا نمطاً من المعيشة، منذ أزمان بعيدة، كغزواتهم، التي لا تنقطع بعضهم ضد بعض، ومهاجمتهم القوافل. كذلك، رأى الأمير عبدالعزيز بن سعود، أن من أسباب سقوط الدولتَين السعوديتَين السابقتَين، تغير ولاء القبائل، حينما تضعف الدولة. لذلك رأى الأمير عبدالعزيز بن سعود توطين البدو، في مستوطنات (هجر)، لكي يسهل ربطهم بالأرض ربطاً محكماً، وتقوية صِلاتهم بها، وبذلك يسهل تعليمهم، ونشر تعاليم الإسلام بينهم. وهكذا يستقر البدو الرحل في هذه الهجر، فيعملون في الزراعة، بدلاً من حياة التنقل والترحال. فبدأت هذه التجربة الرائدة بإرسال الدعاة إلى القبائل، لحثها على هجر حياة البداوة، التي لا تتفق مع أحكام الدين. فكانت الأرطاوية أول هجرة، تأسست سنة 1330هـ/1912م، على يد فيصل الدويش، زعيم مطير، بعد أن أقطعه إياها الأمير عبدالعزيز بن سعود. وقد لاقت التجربة صعوبة، في بدايتها. إلا أن ابن سعود، تغلب عليها، بكرمه وهباته ومساعدته رؤساء القبائل. فانتشرت الهجر في مناطق مختلفة من الدولة الجديدة. وهكذا أقبل البدو على بيع إبلهم، والانقطاع للدراسة في المدارس، حتى اضطر العلماء إلى إصدار فتوى بضرورة العمل للكسب، في التجارة والزراعة. وقد أطلق البدو على أنفسهم لقب "الإخوان"، دلالة على رفع الفروق بينهم. وازداد عدد الهجر ازدياد كبيراً، وأصبحت أشبه بمعسكرات، الإخوان جندها. وانتشرت في مناطق متفرقة، يسهل الوصول إليها، والاتصال بها. ويسير هؤلاء الإخوان بأمر قائدهم، الأمير عبدالعزيز بن سعود. وهكذا، استطاع الأمير ابن سعود، أن يحول هذه الطاقة البشرية المبعثرة، إلى قوة، اجتماعية وعسكرية وسياسية، يستطيع أن يشهرها في وجه أعدائه، متى شاء.

وأورد الريحاني "لائحة" بالهجر، وعدد الذين يلبون دعوة الجهاد منها. فكانت 72 هجرة، لمختلف القبائل النجدية.

وعقَّب الزركلي على ذلك قائلاً: إلا أن هذا العدد، أقل بكثير من عدد الهجر الحقيقي. فقد جاء في كشف الهجر، التي حضر مندوبوها اجتماع الجمعية العمومية، في الرياض، عام 1347هـ/1928م، أسماء 122 هجرة. وقد أصبح عددها، سنة 1369هـ/1950م، 152 هجرة. (انظر ملحق أسماء الهجر مرتبة هجائياً، وإلى جانبها أسماء القبائل، التي عمرتها، واستقرت فيها جماعات منها).

4. تنظيم القضاء والحسبة

لقد اعتمد القضاء، أثناء مرحلة توحيد البلاد السعودية، على المذهب الحنبلي، الذي كان سائداً في عهدي الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية. واستمر، كذلك، بعد اكتمال مرحلة التوحيد، لفترة قصيرة.

وكان الملك عبدالعزيز، يرجع، في الأمور الدينية، إلى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، الذي حظي بمكانة كبيرة لدى الملك عبدالعزيز، حتى وفاته سنة 1339هـ/1921م. فحل محله أخوه، محمد بن عبداللطيف آل الشيخ. وبعد ذلك أصبح لابن أخيهما، الشيخ محمد بن إبراهيم، مكانة لدى الملك عبدالعزيز. فعهد إليه بالإشراف على شؤون القضاء، خاصة في منطقة نجد. فشهد القضاء نوعاً من التطور الإداري، خاصة في أواخر عهد الملك عبدالعزيز.

أما منطقتا الأحساء وعسير، فقد حل المذهب الحنبلي فيهما محل المذهب الحنفي، الذي كان سائداً فيها قبل توحيدهما؛ إذ إنه كان مذهب الدولة العثمانية، التي حكمت هاتَين المنطقتَين، لفترة من الزمن. فاعتمد القضاء فيهما على المذهب الحنبلي، وأصبح معظم قضاتها من العلماء النجديين.

أما منطقة الحجاز، فبعد توحيدها، كان القضاء فيها يعتمد، أيضاً، على المذهب الحنفي، مذهب الدولة العثمانية الرسمي. وكانت إجراءات القضاء فيها، لا تختلف عن بقية الولايات العثمانية. فكان تعيين القاضي في مكة، يتم من طريق العاصمة العثمانية. لذلك كان القاضي في مكة، يرتبط مباشرة بشيخ الإسلام في تلك العاصمة.

وبعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، واستقلال الشريف حسين بمنطقة الحجاز، استمر القضاء في اعتماده على المذهب الحنفي. ولكن أصبح إلى جانب القاضي الحنفي قضاة من المذاهب السُّنية الثلاثة الأخرى.

وحينما وحد الملك عبدالعزيز منطقة الحجاز، راعى ظروفها الخاصة. ولكنه عمل على تطوير القضاء فيها، فبقي القضاء فيها معتمداً على المذاهب السُّنية الأربعة، لمدة سنتَين. ثم أمر ـ يرحمه الله ـ "بتوحيده على المذهب الحنبلي، ما لم يكن أحد المذاهب الثلاثة الأخرى، أصح منه في المسألة، التي ينظر فيها، فيُتبع المذهب الأصح".

وقد عين الملك عبدالعزيز الشيخ محمد مرزوقي، لإدارة القضاء في الحجاز. فكان أول رئيس لتلك الدائرة، في عهد الملك عبدالعزيز، التي تحولت، فيما بعد، إلى رئاسة القضاء، وذلك سنة 1344هـ/1925م. وعيّن الملك عبدالعزيز، الشيخ عبدالله بن بُلهيد، رئيساً لرئاسة القضاء، واستمر فيها حتى نهاية سنة 1345/1927م. وبعد ذلك، عُين مكانه الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ، الذي استمر فيها حتى وفاته، سنة 1378هـ/1958م. وقد ارتبطت بتلك الرئاسة دوائر مختلفة، أهمها هيئة تمييز الأحكام، التي تم انشاؤها سنة 1350هـ/1931م، إضافة إلى محاكم كبرى، ومحاكم مستعجلة. كما أُنشئت كتابة العدل، سنة 1346/1927م.

أما الحسبة، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلها أهميتها في الدين الإسلامي الحنيف؛ فقد قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه العزيز: ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[ (سورة آل عمران، الآية 110). وقد اهتم بها علماء المسلمين، على مدى العصور، خاصة علماء نجد. كما اهتم بها حكام الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية.

وقد اهتم الملك عبدالعزيز بأمر الحسبة، وأولاها ما تستحقه من عناية، منذ بداية عهده. وعين الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ، مسؤولاً مباشراً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما عُين الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، مساعداً له، وهو الذي أصبح رئيساً للحسبة، سنة 1345هـ/1926م. وقد استمر في ذلك المنصب، حتى وفاته سنة 1395هـ/ 1975م. وقد اتسع نشاط رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليشمل نجداً، والمنطقتَين، الشرقية والشمالية.

وبعد استكمال توحيد البلاد، أُنشئت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مكة، وذلك سنة 1344هـ/1925م. وأسندت رئاستها إلى الشيخ عبدالله الشيبي. ثم أنشئت هيئات مماثلة، في بقية مدن الحجاز الكبيرة. وقد خضعت رئاسة الحسبة، في بادئ الأمر، لإشراف القضاء، ثم للأمن العام، لعدة سنوات. ولكنها أُعيدت، فيما بعد، إلى إشراف رئاسة القضاء.

وفي سنة 1372هـ/1953م، أصبح في المملكة العربية السعودية رئاستان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأولى، مركزها الرياض، وتشرف على الهيئات في نجد، والمنطقتَين، الشرقية والشمالية، ويرأسها الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ. والثانية، مركزها مكة، وتشرف على الهئيات في الحجاز وعسير وجازان، ويرأسها الشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ.

5. التنظيم المالي

لقد اعتمدت موارد البلاد المالية، في الأطوار الأولى من مرحلة التوحيد، على مصدرَين: المصدر الأول هو الزكاة، التي كان أتباع الملك عبدالعزيز يؤدونها إليه، كزكاة الإبل والغنم من البادية، وزكاة التمر والحبوب من الحاضرة.

أما المصدر الثاني، فهو الغنائم الناجمة عن معارك الملك عبدالعزيز ضد الخصوم، أو الغارات التي كانت ضد من يرفضون الدخول في طاعته. إلا أن الدخل من هذين المصدرَين، لم يكن كافياً لسد الحاجات المتعددة الجوانب. لذلك، كان لا بدّ من فرض ضريبة على السكان، خاصة على من لا يشتركون في الغزوات، سميت ضريبة الجهاد. كما أن الملك عبدالعزيز، كان يلجأ، أحياناً، إلى الاقتراض من أغنياء البلاد.

وبعد ضم منطقة الأحساء والقطيف، سنة 1331هـ/1913م، طرأ تحسن كبير على موارد البلاد. ذلك أن تلك المنطقة غنية بثرواتها الزراعية، أنها كما تمتاز بكثرة سكانها، من البادية، إضافة إلى الدخل من الجمارك على البضائع الواردة إلى موانئها. كما عزز توحيد منطقتَي عسير وجبل شمر تحسن الأوضاع المالية.

وبتوحيد الحجاز، سنة 1344هـ/1925م، انتهى مصدر الغنائم. ولكن حل محله مصدر آخر، وهو دخل الحج، إضافة إلى زكوات المنطقة وجماركها.

إلا أن تلك المصادر، لم تكن كافية لسد حاجات البلاد، أمام تصميم قائدها، الملك عبدالعزيز، على القيام بإصلاحات متعددة الجوانب. ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمده بمصدر آخر، ألا وهو النفط، الذي أدّى دوراً كبيراً في تحسين الشؤون المالية في البلاد. ففي سنة 1342هـ/ 1923م، وقّع الملك عبدالعزيز اتفاقية، مع شركة سنديكيت الشرقية الإنجليزية، للتنقيب عن النفط في البلاد. ولكنها لم تف بتعهداتها، فألغيت الاتفاقية، سنة 1347هـ / 1928م. وجاء الثري الأمريكي، تشارلز كرين (Charles R. Crane)، رئيس لجنة كينج ـ كرين (King – Crane)، الموفدة من الرئيس الأمريكي، وودرو ولسون (Woodrow Wilson)، إلى البلاد العربية، في زيارة إلى الملك عبدالعزيز، سنة 1349هـ/1931م. وفي أثناء المقابلة، شكا الملك عبدالعزيز له ندرة المياه في بلاده. فوعد بإرسال خبير جيولوجي، للمساعدة على ذلك الأمر. وفعلاً، أرسل تشارلز كرين الخبير الجيولوجي، تويتشل (Twitchell). ولكنه أقنع الملك عبدالعزيز بقلة موارد المياه في المملكة. فطلب منه الملك دراسة إمكانية وجود معادن في البلاد. فلم يجد ما يشجع على ذلك.

على أن تويتشل قام بمقارنة تربة منطقة الأحساء بتربة البحرين، التي كان النفط قد اكتشف فيها من قبل. فرجحت لديه إمكانية وجود نفط، في منطقة الأحساء. ففوض إليه الملك عبدالعزيز، أن يتصل بمسؤولين للتنقيب عنه. وقد استطاع تويتشل إقناع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا "SoCal" (Standard Oil of California) بالتنقيب عن النفط، في منطقة الأحساء.

وفي 4 صفر سنة 1352 / 29مايو 1933م، وقّع كل من حكومة المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، إتفاقية التنقيب عن النفط، في المنطقة الشرقية، وفق عدة شروط. منها: أن مدة امتياز الشركة ستين عاماً؛ وأن عليها أن تقرض المملكة، من الفور، ثلاثين ألف جنيه ذهبي، ثم تقرضها عشرين ألفاً، بعد ثمانية عشر شهراً، وتدفع إليها خمسة آلاف جنيه إيجاراً سنوياً، ثم تدفع إليها، بعد اكتشاف النفط، أربعة شلنات عن كل طن منه. وفي عام 1357هـ/1938م، اكتُشف النفط، قرب بلدة الدمام، بكميات تجارية. وبعد ذلك، أصبح النفط مصدراً مالياً كبيراً للمملكة العربية السعودية. فبدأ الملك عبدالعزيز بتنظيم الشؤون المالية في البلاد.

لقد كان التنظيم المالي، في مرحلة التوحيد الأولى، مشابهاً لما كان سائداً في الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، إذ كان دخل البلاد، يتجه إلى خزينة الملك عبدالعزيز، الذي ينفقه على متطلبات البلاد، بالأسلوب الذي يراه مناسباً. ولكن، بعد توحيد منطقة الأحساء والقطيف، رغب الملك في الاستفادة من النظام المالي العثماني السابق، الذي كان سائداً هناك، فعين موظفاً من موظفي العثمانيين السابقين، للإشراف على مالية تلك المنطقة، تحت رعاية أميرها.

وبعد ضم منطقة الحجاز، قام الملك عبدالعزيز بتأليف لجنة، سنة 1344هـ/ 1925، لدراسة أوضاع الحجاز المالية. وفي سنة 1346/ 1927م، ربط الملك عبدالعزيز جميع الدوائر المالية الصغيرة، في الحجاز، بإدارة واحدة، سُميت مديرية المالية العامة. التي كانت مسؤولة أمامه، وعين عبدالله السليمان الحمدان مديراً لها. وفي جمادى الآخرة سنة 1348هـ/1929م، حولت هذه المديرية إلى وكالة. وأصبح لقب المدير العام وكيل المالية العام. وربطت به مالية الأحساء. وجيء بالخبير الهولندي، فان لي، ليصبح مستشاراً مالياً. فقام ببعض التنظيم المالي. ولكن إقامته لم تدم طويلاً. وفي 20 جمادى الأولى 1351هـ/21 سبتمبر 1932م، رأى الملك عبدالعزيز توسيع نطاق وكالة الشؤون المالية، لتصبح وزارة المالية. فأنشئت وزارة المالية، وصدر نظام المالية في 103 مواد، ونشر في جريدة "أم القرى"، في السنة نفسها. كما أصبح عبدالله السليمان الحمدان وزيراً مسؤولاً. وعُين أخوه، حمد السليمان الحمدان وكيلاً له. وربطت بالوزارة إدارات التموين، والحج، والزراعة، والأشغال العامة والتعدين. وجيء بالخبراء، الماليين والجمركيين والزراعيين، والمهندسين، من سورية، ولبنان، ومصر، والعراق. غير أن بعض ما ربط بهذه الوزارة، فصل عنها، بعد فترة. وفي سنة 1348هـ/1929م، كانت أول محاولة لعمل ميزانية للدولة. وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، خرجت أول ميزانية رسمية للدولة (1353هـ/1934م)، فُصّلت فيها أبواب الواردات والنفقات العامة. وبلغت الميزانية أربعة عشر مليون ريـال. وفي عام 1367هـ / 1948م، صدرت ميزانية أخرى فتجاوزت مائتَي مليون ريـال.

وقد اهتم الملك عبدالعزيز بمسألة النقد. فعمل على تنظيمه، حفاظاً على مصلحة البلاد ومواطنيها. فقد كان في البلاد السعودية، أثناء مرحلة التوحيد وما بعدها، عدة عملات متداولة، منها ما هو عثماني أو بريطاني أو هندي أو نمساوي أو هاشمي. فلما تم توحيد الحجاز، أصدر الملك عبدالعزيز عملة رسمية، نحاسية، من فئات القرش ونصفه وربعه، تحمل اسم "عبدالعزيز آل سعود ملك الحجاز وسلطان نجد"، وذلك عام 1344هـ / 1925م. وسُحبت العملة الهاشمية بكل فئاتها، وذلك في عام 1345هـ / 1926م.

وفي سنة 1346هـ / 1927م، أصدر الملك عبدالعزيز أول نظام للنقد، سُمي بالنقد العربي. وتم سك الريـال العربي ونصفه وربعه، من الفضة الخالصة. كما تم سك فئة القرش ونصفه وربعه، من النحاس. وأصبح الريـال العربي وأقسامه، عملة رسمية لمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، بدءاً من غرة شعبان 1346هـ/24 يناير 1928م.

وفي 25 رجب سنة 1371 هـ/ 21 أبريل1952م، صدر مرسومان ملكيان بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي. وفي 3 صفر 1372هـ / 25 أكتوبر 1952م، أصدرت الدولة الجنيه الذهبي السعودي، الذي كان مساوياً للجنيه الإنجليزي الذهبي. كما أصدرت الدولة أول عملة ورقية، عرفت باسم إيصالات الحجاج، في سنة 1372هـ / 1953م، من فئة عشرة ريالات، ثم فئة خمسة ريالات، في سنة 1373هـ ، وفئة ريـال واحد في سنة 1375 هـ.

6. تنظيم التعليم

كان الملك عبدالعزيز مهتماً بالناحية العلمية، منذ بداية مسيرته لتوحيد البلاد .وكان يقدر العلماء، ويأنس إلى مجالستهم. ويقول الدكتور العثيمين، في ذلك: "فقد كان (الملك عبدالعزيز) يقدر العلماء. ولا يخلو مجلسه، في كثير من الأحيان، منهم، حضراً أو سفراً. بل كان منهم من يصحبه في تحركاته العسكرية، وكان يشجع طلاب العلم، وفق إمكاناته المحدودة جداً، حينذاك".

وبدأ الملك عبدالعزيز بتحضير البادية. وأرسل المرشدين الدينيين إلى مضارب البادية، ثم إلى الهجر، التي تكونت بعد ذلك. فكانت تلك خطوة رائدة في مجال التعليم، وعلامة على حرصه على تعليم رعاياه ما هو ضروري، من أصول الدين وفروعه. فانتشرت المعرفة الدينية بين أتباعه.

ولما ضم الملك عبدالعزيز الحجاز، وجد في تلك المنطقة نوعاً من التعليم المنظم. فبدأ بتطويره. وأمر بتأسيس مديرية المعارف العمومية في مكة، لتهتم بشؤون التعليم وتطويره، وذلك سنة 1344هـ / 1926م، وكانت مرتبطة بالنائب العام.

وقد عُين السيد صالح شطا، أول مدير لتلك المديرية. وكان آخر مدير لها، هو الشيخ محمد المانع. وبعد أقل من عامَين على إنشاء مديرية المعارف العمومية، أُنشئ مجلس للمعارف، للإشراف على سير التعليم وتنظيمه. وبعد مضي ثلاثة أشهر على إنشائها، بدأت مديرية المعارف نشاطها المكثف، حيث ففتحت عدة مدارس أبوابها للتلاميذ. ويقول الدكتور العثيمين، في ذلك: "ولعل مما يدل على نشاطها، أن أول ميزانية لها، كانت 5665 جنيهاً، ثم قفزت عام 1347هـ/1928م إلى 14791 جنيهاً، ثم إلى 23140 جنيهاً، في العام التالي".

ولم يتوقف نشاط مديرية المعارف العمومية عند مساعدة التعليم الحكومي، بل شمل مساعدة التعليم الأهلي. وقد واجهت، في بداية تكوينها، عقبة الافتقار إلى المعلمين من أبناء البلاد. فسارعت إلى افتتاح المعهد العلمي السعودي، سنة 1345هـ / 1926م، الذي كانت مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات. ومهمته إمداد التعليم، الابتدائي والأولي، بالمعلمين الأكفاء. وكان الشيخ السوري، محمد بهجة البيطار، أول مدير له. كما شجعت مديرية المعارف العمومية الابتعاث الخارجي، فأرسلت سنة 1346هـ / 1927م أول بعثة من المتخرجين، إلى مصر، وذلك لسد الحاجة إلى متخصصين في علوم لا يتأتّى تدريسها داخل البلاد، حينذاك. ولكن، برزت مشكلة أخرى، أمام من كان يريد الدراسة في كليات علمية، تخصصية أو تقنية، كالهندسة، والطب، والزراعة، والصناعة، إذ إن المواد، التي كان يدرسها الطلاب السعوديون، لم تكن تؤهلهم للالتحاق بتلك الكليات. فأنشأت مديرية المعارف العمومية مدرسة تحضير البعثات، وذلك سنة 1356هـ/1937م. وكان منهجها مشابهاً لمنهج المدارس الثانوية، في مصر، وكان أول مدير لها السيد أحمد العربي.

وقد ركزت مديرية المعارف العمومية نشاطها، في بادئ الأمر، في منطقة الحجاز. ثم وسعت ذلك النشاط، ليشمل جميع مناطق المملكة. فبدأت سنة 1356هـ/1937م، بافتتاح المدارس في بقية المناطق. وانتشرت، بعد ذلك العام الدراسي، انتشاراً عظيماً، فارتفع عدد المدارس الابتدائية من إحدى وسبعين مدرسة، سنة 1367هـ/1948م، إلى أكثر من مائتَي مدرسة، سنة 1373هـ/1954م . كما ارتفع عدد المدارس الثانوية، في الفترة نفسها، من خمس إلى اثنتَي عشرة مدرسة ثانوية.

وشجعت مديرية المعارف الاهتمام بالتعليم الديني، وذلك لحاجة البلاد إلى كوادر وطنية، في مجالات القضاء والإرشاد، وتدريس العلوم الدينية. فقامت المديرية بإنشاء مدرسة دار التوحيد، في الطائف في سنة 1364هـ/1945م. وكانت تدرس أصول الدين وفروعه، وعلوم اللغة العربية. وفي سنة 1350هـ/1931م، افتتحت مديرية المعارف أول معهد علمي، في الرياض. وتولى إدارته الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الذي كان منهجه مشابهاً لمدرسة دار التوحيد بالطائف.

كما اهتمت مديرية المعارف بالاختصاصات الأخرى، كالزراعة، والصحة، والتجارة، والأمور العسكرية، إضافة إلى إنشاء مدارس خاصة لفئات من المجتمع، كمدارس أبناء العشائر، والأيتام.

ولم يقتصر نشاط مديرية المعارف، في عهد الملك عبدالعزيز، على المراحل السابقة للمرحلة الجامعية، بل كان للتعليم الجامعي نصيبه الوافر؛ فإضافة إلى الابتعاث الخارجي للدراسة الجامعية، أنشئت كلية الشريعة، في مكة، سنة 1369هـ/1950م. وفي سنة 1372هـ/1953م، أُنشئت كلية الشريعة، في الرياض.

والجدير بالذكر، أن من حرص الملك عبدالعزيز على العلم وتعليمه، أمره بأن يكون التعليم مجاناً. كما خصصت مكافآت مجزية لطلاب بعض المدارس والمعاهد، وطلاب الكليات.

وفي 18 ربيع ثاني 1373هـ/24 ديسمبر 1954م، تحولت مديرية المعارف إلى وزارة المعارف. وكان الأمير فهد بن عبدالعزيز أول وزير للمعارف.

7. تنظيم الأمن

كان لتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، في الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، أثره في رسوخ الأمن واستقراره. ولقد استفاد الملك عبدالعزيز من خبرة أسلافه، في هذا المجال، فطبق الشريعة الإسلامية، بحزم. فضرب على أيدي المجرمين، بصرامة، فاستتب الأمن في ربوع بلاده. ولكنه تجاوز خبرة أسلافه، في مجال الأمن وتنظيمه، فاستحدث أفكاراً رائدة، وتنظيمات رائعة، مما جعل جهوده تؤتي ثماراً وفيرة الخير، مستمرة النماء.

فقد قام الملك عبدالعزيز بإرسال الدعاة والمرشدين الدينيين إلى مضارب البادية، لنشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وحثّ أفراد البادية على الاستيطان. وقد نجحت جهوده في استقرار فئات منهم في الهجر، الأمر الذي أدى إلى فهْم العقيدة الإسلامية، وممارسة واجباتها الدينية، كما ينبغي، مما أدى إلى استتباب الأمن ورسوخه.

ولما تم توحيد منطقة الحجاز، كرّس الملك عبدالعزيز جهوده لاستتباب الأمن فيها، خاصة أن فيها الحرمَين الشريفَين. فأصبح مسؤولاً ليس عن توفير الأمن لمواطنيه فحسب، بل عن أمن الحجاج القادمين إلى تلك الأماكن المقدسة، كذلك. وقد استفاد الملك عبدالعزيز من بعض الإجراءات الأمنية، التي كانت سائدة، أيام العثمانيين، وزمن الحكومة الهاشمية، وسعى إلى تطويرها. فقام بإنشاء مديرية الشرطة العامة، وذلك في سنة 1344هـ/ 1925م، في مكـة. وقد رُبطت هذه المديرية، في بداية عهدها، بمدير الأمن العام. كما رُبطت مديرية الأمن العام بالنائب العام للملك في الحجاز. كما أُنشئت عدة إدارات أخرى للشرطة، في مناطق متعددة من المملكة. وكان لبعضها اختصاصات محددة، مثل وحدة الدرك، وشرطة الحرم، وشرطة السكة الحديدية. وفي سنة 1349/1930، صدر مرسوم ملكي، يقضي بتوحيد جميع الدوائر العسكرية، ومنها الشرطة. فأصبحت إدارة الشرطة، في المملكة، تحت رئاسة مدير الأمن العام. وعُين مهدي بك المصلح مديراً للأمن العام، علاوة على منصب مدير شرطة مكة المكرمة. وأصبحت قوات الشرطة، تعتمد على قوى المشاة، وجنود المرور والخيالة، والآليات، كالسيارات والدراجات النارية.

ومع توسع تشكيلات الشرطة، وتشعب إداراتها، احتاجت إلى دعمها بضباط مؤهلين، ومتخصصين في العلوم الجنائية. فأنشئت مدرسة الشرطة، سنة 1354هـ/1935م. وقد صرفت رواتب للطلبة الملتحقين بها، وذلك تشجيعاً لهم على الاستمرار في الدراسة.

وفي سنة 1363هـ/1944م، تم تحويل مديرية الشرطة العامة، إلى مديرية الأمن العام. فتوسعت مسؤولياتها وأعمالها، فاستعانت بخبراء من الدول العربية على تطوير أجهزتها. كما ابتعثت الدولة عدداً من رجالها إلى خارج البلاد، لدراسة شؤون الأمن العام، والاطلاع على كل جديد في ميدانه.

واستُحدثت، في سنة 1369/1950م، تشكيلات جديدة في إدارات الأمن المختلفة. وصدر نظام للأمن العام، في السنة نفسها.

وكانت مهمة الشرطة مركزة في حفظ الأمن، في المناطق الداخلية، في البلدان والمدن الكبيرة. أما الجهات الساحلية، فقد أُنشئ لأمنها جهاز، سُميّ حرس خفر السواحل. وكانت بدايته سنة 1331هـ، بعد ضم منطقة الأحساء والقطيف. ولكن بعد ضم الحجاز، أصبح حرس خفر السواحل أكثر تنظيماً وتطويراً. فبدأت أجهزة الأمن، تخطو خطوات واسعة. ومع مرور الزمن، أصبحت أكثر تنظيماً، وازدادت تقدماً، خاصة بعد تكوين وزارة الداخلية، في 11 رمضان 1370هـ/15 يونيه 1951م. وقد عُيِّن الأمير عبدالله الفيصل وزيراً لها.

كل هذه الجهود، التي قام بها الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ أدت إلى استتباب الأمن في ربوع المملكة العربية السعودية، هذا الأمن الذي تحدث عنه بإعجاب الكثير، من داخل المملكة وخارجها.

8. تنظيم الجيش

لم يكن للملك عبدالعزيز جيش دائم، يعتمد عليه، خلال مرحلة التوحيد. بل كان الحال، كما كانت عليه قوات أسلافه، من قادة الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية. وكانت قواته تتكون من أفراد الحاضرة والبادية. وكان يدعو أتباعه، فتجتمع فئاتهم تحت رايته. وكان لكل مجموعة من أتباعه أميرها الخاص. كما كانت كل مجموعة، تعتمد على إمكاناتها، الذاتية أو المحلية، تمويناً وتسليحاً. وبعد انتهاء مهامهم الحربية، يعودون إلى بلدانهم ومواطنهم، ليعاودوا أعمالهم المعتادة، كالزراعة والتجارة والرعي.

وبعد نجاح فكرة الملك عبدالعزيز الرائدة، بتوطين أفراد البادية، التي استوطن أبناؤها في الهجر، اعتمد عليهم، فأصبحوا في طليعة قواته المحاربة.

على أنه، بعد ضم منطقة الحجاز، التي كان يوجد فيها جيش منظم، خلال فترة الحكم، العثماني والهاشمي ـ استفاد الملك عبدالعزيز من تلك التجربة، فعمل على تنظيم قواته وتطويرها. ولما كان محاصراً لمدينة جدة، أصدر عفواً عاماً عمن يغادرها إلى مكة، أو أي مكان آخر. وشجع هذا العفو بعضاً من أفراد القوات النظامية الهاشمية على الالتحاق بقوات الملك عبدالعزيز. وقد وعدهم بأن تكون أوضاعهم أحسن مما كانت عليه. وبعد دخول الملك عبدالعزيز جدة، التحق بقواته كثير من أفراد الجيش الهاشمي، الذين أسهموا في إنشاء إدارات الشرطة، والأمن، وخفر السواحل، كما بذلوا جهوداً موفقة في تشكيل الوحدات العسكرية، في مختلف جهات المملكة. كما استقدم الملك عبدالعزيز سنة 1346هـ/1927، من سورية، العقيد محمد مراد الاختيار وأسند إليه تشكيل بعض الإدارات العسكرية.

وفي سنة 1348هـ/1929م، أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء مديرية الأمور العسكرية. واستقدم من سورية، لإدارتها، نبيه بك العظمة، ومعه فوزي القاوقجي، مساعداً له. وأُدخلت تحسينات كبيرة في فروع الجيش النظامي. فتشكل بفوج من المدفعية، وآخر من الرشاشات، وثالث من المشاة، التي قامت بأول استعراض عسكري، في جدة، سنة 1349هـ/1930، أمام الملك عبدالعزيز. وبدأ الجيش السعودي يتطور، تدريجاً، الأمر الذي استدعى إنشاء وكالة للدفاع، مع استمرار بقاء مديرية الأمور العسكرية، وكان ذلك سنة 1353هـ/1934م. وقامت الوكالة بإعادة تشكيل وحدات الجيش، فأصبحت وحدات الجيش، تتكون من سلاح المشاة، وسلاح الفرسان، وسلاح المدفعية. ثم نُظمت تلك الوحدات، على أساس كتائب وألوية. وأُنشئت المدرسة العسكرية، في الطائف، سنة 1353هـ/1934. وتحولت، سنة 1368هـ / 1949م، إلى الكلية الحربية. وقامت بتخريج العديد من الضباط. ثم نُقلت، سنة 1374هـ/1955م، إلى الرياض. وأصبح اسمها كلية الملك عبدالعزيز الحربية. وفي سنة 1358هـ/ 1939م، أُلغيت مديرية الأمور العسكرية، لتقوم مكانها رئاسة الأركان.

وقد شهد الجيش السعودي تطوراً عظيماً، حينما أُنشئت وزارة الدفاع، وأصبح الأمير منصور بن عبدالعزيز وزيراً لها، وذلك في 16 ذو الحجة 1363هـ/1 ديسمبر 1944م. وكان الأمير منصور ناشطاً ومتحمساً لعمله. فاتخذ عدة خطوات موفقة، كانت تهدف إلى تطوير الجيش وتنظيمه، تدريباً وتسليحاً. واستقدم خبراء عسكريين من الخارج، لتدريب منسوبي الجيش. وقامت وزارة الدفاع بابتعاث أفراد الجيش إلى الدول، العربية والأجنبية، للاستفادة من الجديد في المجالات العسكرية. كما قامت بإنشاء المدارس العسكرية، كمدرسة الإشارة واللاسلكي، ومدرسة الطيران، ومدرسة الصحة والإسعاف. كذلك، أُنشئ المستشفى العسكري، في الطائف. وبدأ العمل ببناء المصانع الحربية، في الخرج. وبهذا، اكتمل بناء الأسس القوية للجيش السعودي، في عهد الملك عبدالعزيز. وقد شارك هذا الجيش في حرب فلسطين، سنة 1367هـ/ 1948م، وأبلى بلاءً حسناً.

9. المياه والزراعة

يتفاوت توافر المياه في مناطق المملكة العربية السعودية. فهي متوافرة في بعض المناطق، كالأحساء والخرج، والقصيم، وقليلة في بعض المناطق الأخرى، كالحجاز. أما في منطقة عسير، فقد كان السكان يعتمدون على الأمطار الرسمية. ولكن هذه المصادر، بدأت تتناقص، مع مرور الأيام.

أما الزراعة، فقد كانت تعتمد على الأساليب البدائية، التي توارثها السكان عن آبائهم وأجدادهم. وكانت الزراعة بَعْلية، تعتمد على الأمطار، أو تسقى من العيون الجارية، أو من المياه المستخرجة من الآبار.

وبعد أن أكمل الملك عبدالعزيز توحيد البلاد السعودية، أولى المياه والزراعة اهتمامه. فسعى إلى تحسين مصادر المياه، وتطوير أساليب الزراعة. وعمل ما في وسعه، للتغلب على نقص المياه وقلتها، وذلك باستعمال الوسائل الحديثة في التنقيب عنها واستخراجها وتحليتها. وشجع المزراعين، بدعمهم مالياً، وأمدهم بالخبرات الفنية. واستعان ببعض البلاد العربية المتقدمة، في مجال الزراعة، كالعراق ومصر وسورية، لإمداده بالبعثات الزراعية، التي قدِمت إلى المملكة العربية السعودية، وعملت في مختلف أنحاء البلاد. وأسهمت تلك البعثات في تحسين الإنتاج وزيادته وتنويعه، مما كان له الأثر الطيب على المزارعين السعوديين، فبدأوا بتطوير أساليبهم الزراعية وتحسينها، واستعمال الآلات الزراعية الحديثة. وتشجيعاً لذلك، قام الملك عبدالعزيز بإعفاء المعدات الزراعية من الرسوم الجمركية، وكان ذلك سنة 1346هـ/1927م.

وقد قام الملك عبدالعزيز، أيضاً، بالاستعانة بالخبرات الأمريكية، في مجال التنقيب عن المياه. فاستقدم المهندس الجيولوجي الأمريكي، تويتشل، وذلك سنة 1350هـ/1931م. كما أمر، سنة 1367هـ/ 1948م، بإنشاء مديرية للزراعة، ومن ثَم، أُفتُتحت لها عدة فروع، في مناطق مختلفة من البلاد. وقد عملت مديرية الزراعة، مع مختلف فروعها، على تطوير مجالات الزراعة، في عهد الملك عبدالعزيز، إلى أن تحولت، في 18 ربيع الثاني 1373هـ/24 ديسمبر 1953م، إلى وزارة. وكان أول وزير لها، هو الأمير سلطان بن عبدالعزيز.

وقد أنجزت، في عهد الملك عبدالعزيز، عدة مشروعات لتحسين مصادر المياه، وتطوير الوسائل الزراعية. منها:

·    تركيب آلتَين كبيرتَين، لتقطير المياه، في جدة، سنة 1345هـ/1926م. وإنشاء هيئة عين الوزيرية، سنة 1352هـ/1933م. ثم إنشاء العين العزيزية، سنة 1366هـ/1947م. وإيصال الماء إلى جدة، من وادي فاطمة، سنة 1367هـ/1948م.

·    إنشاء لجنة عين الزرقاء، في المدينة المنورة، عام 1346هـ/1927م، لتنظيف تلك العين، ومد أنابيب منها، لسد حاجة السكان إلى مياه الشرب.

·    إنشاء لجنة عين زبيدة، في مكة، سنة 1353هـ/1934م، لتحسين روافدها، وإصلاح أنابيبها، لزيادة توفير المياه لمدينة مكة المكرمة.

·    إصلاح السدود القديمة، وحفر الآبار الإرتوازية. فقد تم حفر أول بئر إرتوازية، في الدمام، وذلك سنة 1358هـ/ 1939م.

·    إعفاء المعدات الزراعية من الرسوم الجمركية، واستيراد الآلات والمعدات، لبيعها للمزارعين بأسعار مخفضة، وبشروط دفع سهلة، وتقديم مساعدات لصغار المزارعين، وإنشاء مصارف لإقراضهم.

·    تعليم المزارعين طرائق حديثة لزيادة الإنتاج وتنويعه، وحمايته من الآفات.

·    إقامة مشروع الخرج الزراعي، الذي أسهم في الإشراف عليه وإدارته، مهندسون زراعيون من الخارج. وعُني باستصلاح الأراضي، وزراعة محاصيل جديدة، وتربية المواشي.

·    إنشاء ورش ميكانيكية، لإصلاح مضخات المياه والآلات الزراعية.

·    أمر الملك عبدالعزيز، سنة 1371هـ /1952م، بجلب الماء إلى الرياض، من وادي الباطن، ومن السويدي، وهما من ضواحيها. وقد تم المشروع، بعد وفاته.

·    إصلاح "عين نجم"، في جهة الأحساء، وهي مياه معدنية، يستفاد منها طبياً.

10. الرعاية الصحية

لقد كانت الرعاية الصحية في البلاد السعودية، قبل توحيدها وبعده، تعتمد على طرق بدائية وتقليدية، توارثتها الأجيال عن أسلافهم، في معالجة الأمراض التي تحل بهم، أو التعامل مع الحوادث، التي تقع في صفوفهم. ومن أكثر المشكلات الصحية، التي كان السكان يواجهونها، ويصعب عليهم معالجتها أمراض الجدري، والإسهال عند الأطفال. ومنها تلك الأوبئة التي تفتك بالكثيرين، كما حدث سنة 1337هـ.

إلا أن منطقة الحجاز، خاصة المدن الكبيرة منها، قد حظيت برعاية صحية متقدمة، إلى حدّ ما، وذلك منذ العهد العثماني. إلا أنها كانت أكثر الجهات تعرضاً للأخطار، ولانتشار الأوبئة، التي ينقلها الناس، من القادمين إليها، من الحجاج والمعتمرين. لذلك، أولت الدولة العثمانية المسألة الصحية، في الحجاز، بعض الاهتمام. فأنشأت، مثلاً، عدداً من المستشفيات والمحاجر الصحية، في مكة وجدة وينبع.

ولما ضمت منطقة الحجاز، أولى الملك عبدالعزيز الرعاية الصحية جُلّ اهتمامه. فقام بإنشاء "مصلحة الصحة العامة"، في مكة، وكان ذلك سنة 1344 هـ/1925م. وبدأت هذه المصلحة تباشر أعمالها، لتحسين وتطوير الرعاية الصحية، في جميع مناطق البلاد. فافتتحت عدة فروع، في مدن البلاد الكبيرة، حتى أصبح هناك ست مناطق صحية. كما قامت مصلحة الصحة العامة بتطوير المستشفيات والمستوصفات الموجودة سابقاً. وأنشأت مستشفيات ومستوصفات جديدة، في مدن، كبيرة وصغيرة. وأُنشئت إدارة خاصة للإشراف على الفرق الطبية، التي كانت تتنقل، بالسيارات، تجوب ربوع البلاد، خاصة مضارب البادية، لتقدم للسكان العلاج والرعاية الصحية اللازمة.

وقد أولت الدولة بصحة الحجاج في عهد الملك عبدالعزيز، اهتماماً كبيراً. وعُنيَت عناية كبيرة بالحجاج، صحياً. فكانت تجند أكبر عدد ممكن، من المتخصصين والإدرايين، في كل موسم حج، ليقدموا ما يستطيعون تقديمه، من خدمة صحية، لأولئك الحجاج، علاجاً وإمداداً بالأدوية. ومن أدلة تلك العناية، أيضاً، إقامة مستشفى في منى، ومستوصف في عرفات، وسبعة مراكز صحية، في أمكنة من المشاعر المقدسة أو حولها.

كما اهتمت الدولة، في عهد الملك عبدالعزيز، بالمحاجر الصحية. وأنشأت لها إدارة خاصة، مقرها جدة. وتتبعها محاجر متعددة، أُنشئت في المدن، التي تقع على ساحل البحر الأحمر. كما أُنشئت عدة مراكز طبية، في شمالي المملكة وشرقيها وجنوبيها، وذلك للإشراف على صحة الحجاج، القادمين من تلك الجهات.

وقد قامت الدولة، في عهد الملك عبدالعزيز، باستقدام الاخصائيين والخبراء، للعمل في البلاد. وابتعثت، أيضاً، الدارسين، لتعلم الطب، في الدول المتقدمة. كما قامت بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية، وذلك للاستفادة من خبراتها، خاصة في ميدان الوقاية من الأوبئة الفتاكة، على أن لا يمس ذلك السيادة الوطنية للمملكة العربية السعودية.

وفي 11 رمضان 1370/15 يونيه 1951م، تحولت مصلحة الصحة العامة، إلى وزارة الصحة. وأصبح الأمير عبدالله الفيصل أول وزير لها. وتطورت الخدمات الصحية أكثر من قبل. وتوسعت الوزارة في بناء المستشفيات والمستوصفات، وزودتها بأجهزة أكثر حداثة وتقدماً.

11. المواصلات والاتصالات

بعد أن تمّ توحيد المملكة العربية السعودية، أصبحت تضم منطقة واسعة، مترامية الأطراف، لذلك، لا بدّ من ربط بعضها ببعض، لترسيخ الأمن فيها، وتحسين معيشة سكانها. وقد أولى الملك عبدالعزيز مسألة المواصلات اهتماماً كبيراً. فبادر إلى إدخال السيارات إلى البلاد، للاستخدام، الخاص والرسمي، في الدولة، ونقل البضائع والمسافرين، حجاجاً ومواطنين، بطريقة أيسر مما كانت الحالة عليه، حينما كانت الإبل هي الوسيلة الأولى للنقل. وأُنشئت الشركة العربية للسيارات، فكان لها جهود كبيرة، ولا سيما نقل الحجاج.

كما قامت الدولة، في عهد الملك عبدالعزيز، بتمهيد الطرق وتعبيدها. وكان أول طريق، عُبّد في البلاد، طريقاً يربط مكة بجدة، ثم مُدّ إلى عرفات. وبدأت الدولة بتعبيد طريق مكة ـ المدينة، وانتهى العمل فيه، في بداية عهد الملك سعود بن عبدالعزيز. وهذا يؤكد رغبة الدولة في تخفيف المتاعب، التي كان يلاقيها حجاج بيت الله الحرام. وفي سنة 1358هـ، طلب الملك عبدالعزيز من المهندس الجيولوجي الأمريكي، تويتشل، أن يدرس إمكانية ربط مدينة جيزان، بأبها ونجران بخط مُعبد، فحدد ممره، في السنة التالية.

وقد اهتم الملك عبدالعزيز بإنشاء سكة حديدية، تربط ميناء الدمام ببعض المدن، في المنطقة الشرقية، ويوصل إلى الرياض. وفي سنة 1369هـ /1950م، ربطت الدمام والظهران وبقيق والهفوف بخط سكة حديد، ثم تم إيصال سكة الحديد إلى الرياض، وذلك في سنة 1371هـ /1951م.

وحازت المواصلات الجوية الاهتمام، أيضاً. ففي سنة 1348هـ، قامت الدولة بشراء أربع طائرات مدنية، لتكون نواة للخطوط العربية السعودية. وتوالى شراء الطائرات المدنية، حتى تضاعفت أعدادها، في فترة وجيزة. كما قامت الدولة بإرسال الشباب السعودي إلى إيطاليا، لدراسة الطيران، وذلك في سنة 1354هـ/1935م. ثم تتابع إرسال البعثات إلى دول أخرى. وأنشئت، في تلك الفترة، "إدارة طائرات الخطوط الجوية السعودية". ثم أصبح اسمها، في عام 1368هـ/ 1949م، "مصلحة الطيران المدني". وارتبطت بوزارة الدفاع، لتصبح جزءاً من تشكيلاتها، بدءاً من 7 رجب 1371هـ/2أبريل1952م.

ومطار جدة، هو أول مطار أُنشيء في المملكة العربية السعودية. ثم أُنشئت مطارات أخرى، في كل من الحوية (في الطائف)، والرياض، والخرج، والظهران، ورأس مشعاب، والمدينة المنورة. وبدأت، في سنة 1366هـ /1947م، الرحلات الجوية، بين مطار جدة ومدن المملكة، وبعض الأقطار المجاورة، خاصة إلى مطارَي بيروت والقاهرة. كما قام وزير الدفاع بافتتاح أول خط جوي، بين جدة والمدينة المنورة، وذلك في عام 1367هـ /1948م. كما تتابع فتح الرحلات الجوية، بين جدة وعدد من المدن، العربية والعالمية، حتى أصبحت الرحلات، في عام 1369هـ / 1950م، تغطي ثلاث عشرة مدينة، في المملكة، وإحدى وعشرين مدينة، عربية وعالمية.

ولم يُغفل الملك عبدالعزيز الاهتمام بالمواصلات البحرية. وذلك بإنشاء أسطول نقل بحري، وتحسين الموانئ البحرية، في غربي البلاد وشرقيها. وقد تم إنشاء ميناء جدة، على البحر الأحمر، وميناء الدمام، على الخليج العربي.

وقد اهتمت المملكة العربية السعودية، في عهد الملك عبدالعزيز، بالاتصالات الحديثة. إذ انضمت إلى اتحاد البريد الدولي، سنة 1345هـ/1926م، وعقدت اتفاقات مع دول مختلفة، ليتم الاتصال، هاتفياً وبرقياً وبريدياً. كما قامت بإنشاء شبكة هاتفية، في المدن الكبيرة في المملكة، وتعميم المراكز اللاسلكية في معظم مدن المملكة، وقد زادت تلك المراكز على الستين. كما أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء أربع مدارس، لتعليم أعمال الهاتف اللاسلكي، في كلٍّ من مكة، وجدة، والرياض، والمدينة المنورة. وجلب لها مدرسين متخصصين. وأرسل البعثات إلى بريطانيا ومصر وغيرهما لتعلم فنون اللاسلكي والهاتف. فأصبحت أعمال المراكز اللاسلكية في أيدٍ سعودية.