إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



الفصل السادس

الفصل السادس

حركات التمرد على السلطان عبدالعزيز

 

بعد أن دخل السلطان عبدالعزيز الحجاز، وبسط حكمه على المخلاف السليماني (جازان)، برزت له مشكلة معارضة بعض الإخوان، في نجد، وتمرد قائده حامد بن رفادة، في شمالي الحجاز. ولكن السلطان عبدالعزيز، استطاع أن يقضي على هاتَين المشكلتَين، بكل حزم وروية، ومن دون أن يفقد شعبيته بين الإخوان، أو في الحجاز.

1. مشكلة المعارضين من الإخوان

لا شك، أن إنشاء الهجر (المستوطنات)، لتوطين الإخوان، كان خطوة جيدة نحو تحضير البدو، والاستفادة منهم في الذود عن الحكم السعودي. كما أنها خطوة جريئة لنشر الدين الإسلامي الصحيح، ولبنة من لبنات الإصلاح الاجتماعي، في عهد السلطان عبدالعزيز. وقد قام الإخوان بمجهود كبير في استكمال توحيد البلاد، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن بعضهم، لم يستوعبوا مقاصد بعض الأمور الدينية، الأمر الذي أدى إلى تطرفهم في بعض المسائل والأحكام، الدينية والدنيوية، حتى إنهم شكوا في إيمان غيرهم، من الحاضرة والبادية، ورموهم بالكفر، وحرموا ذبائحهم، وأباحوا الاعتداء عليهم. وقد أدرك السلطان عبدالعزيز خطر ذلك الموقف. فأسرع يستشير العلماء في ذلك. وسألهم عن المسائل، التي تطرف فيها الإخوان. وهي:

الأولى: هل يطلق الكفر على بادية المسلمين، الثابتين على دينهم، القائمين بأوامر الله ونواهيه، أو لا؟

الثانية: هل يفرق بين لابس العقال ولابس العمامة، إذا كان معتقدهما واحداً، أو لا؟

الثالثة: هل يفرق بين الحضر الأولين والمهاجرين الآخرين، أو لا؟

الرابعة: هل يفرق بين ذبيحة البدوي، الذي في ولاية المسلمين، ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وبين ذبيحة الحضر الأولين أو المهاجرين، أو لا؟

الخامسة: هل يوجد للمهاجرين أمر، أو رخصة في اعتدائهم على الذين يهاجرون، فيضربوهم أو يؤدبوهم أو يهددوهم أو يلزموهم بالهجر، أو لا؟ وهل لأحد أن يهجر أحداً، بدوياً كان أو حضرياً، بغير أمر واضح، أو كفر صريح، أو شيء من الأعمال، التي يجب هجره عليها، بغير إذن من ولي الأمر، أو الحاكم الشرعي؟

فتدارس العلماء الأمر. وأفتوا السلطان عبدالعزيز، بأن تلك النظرة، لا تتفق مع أصول الدين الحنيف. وصدرت فتواهم، سنة 1337هـ (اُنظر في الملاحق نص فتوى علماء نجد، في تطرف الإخوان في بعض المسائل. وأمر الملك عبدالعزيز المستند إلى هذه الفتوى). وقد كان لهذه الفتوى تأثير كبير في تعديل نظرة الإخوان المتطرفة.

ولما ضم الحجاز إلى سلطنة نجد، عام 1344هـ/1925م، ظهرت بوادر خلاف بين السلطان عبدالعزيز وبعض قادة الإخوان، خاصة فيصل بن سلطان الدويش (من قبيلة مطير)، وسلطان بن بجاد بن حميد (من قبيلة عتيبة)، وضيدان بن حثلين (من قبيلة العجمان). ويذكر الأمير سعود بن هذلول، أسباب الخلاف في إنكارهم:

أ. إرسال السلطان عبدالعزيز ابنه، الأمير سعوداً، إلى مصر.

ب. إرسال ابنه، الأمير فيصلاً، إلى لندن.

ج. إدخال البرق والهاتف والسيارات، في بلد الإسلام.

د. فرض الضرائب والمكوس على المسلمين، في نجد.

هـ. إذنه لعشائر الأردن والعراق، بالرعي في أراضي المسلمين.

و. منعه الاتجار مع الكويت (ويقولون إن كان أهل الكويت كفاراً، جاهدناهم. وإن كانوا مسلمين فلماذا نقاطعهم؟).

ز. سكوته على الروافض، في الإحساء والقطيف. إما أن يجبروا على الدخول في الإسلام، أو أن يقتلوا. واجتمع أولئك القادة في الأرطاوية، هجرة فيصل الدويش، وتعاهدوا على نصرة دين الله، والجهاد في سبيله. كما أعلنوا استنكارهم الأمور السالفة الذكر.

ومن المؤرخين من يضيف إلى ذلك أسباباً غير ظاهرة، وهي غيرة أولئك القادة من خالد بن لؤي، الذي أسند إليه السلطان عبدالعزيز أمور مكة؛ واعتقادهم أنهم بذلوا جهداً، يفوق جهد خالد، خاصة فيصل الدويش، الذي كان يمنّي نفسه بإمارة المدينة المنورة؛ وسلطان بن بجاد، الذي كان يطمع في ولاية الطائف. ولم ينس ضيدان بن حثلين حرمانه وعشيرته مغانم الحجاز. ناهيك أنهم أنكروا على السلطان عبدالعزيز، عقده اتفاقيتَي بحرة حدة، مع بريطانيا، سنة 1344هـ/1926م، اللتَين رسمت بموجبهما الحدود بين السعودية والعراق والأردن. كما يذكر من الأسباب، أيضاً، حادثة المحمل المصري، في حج عام 1344هـ/يونيه 1926م، التي راح ضحيتها خمسة وعشرون من الإخوان.

وحينما اجتمع القادة، المشار إليهم، في الأرطاوية، كان السلطان عبدالعزيز في الحجاز. فعاد، من فوره، إلى نجد. وقد حاول أن يتجنب المواجهة معهم؛ فأغدق عليهم الأموال والهدايا، كما دعاهم إلى الاجتماع به، في 25 رجب سنة 1345هـ/آخر يناير 1927م. وقد حضر أكثر زعماء الإخوان، ولكن، لم يحضر سلطان بن بجاد. وفي بداية الاجتماع، شرح السلطان عبدالعزيز موقفه، ووصف نفسه بأنه "خادم الشريعة الإسلامية، ومتمسك بها، وأنه لا يزال كما يعهدونه". وفي ختام الاجتماع، أصدر العلماء فتوى، بتاريخ 3 رمضان 1345هـ/مارس 1927م، حول مآخذ بعض الإخوان على السلطان، وعلى بعض الحوادث. فأفتى العلماء بتوقفهم في مسألة استعمال البرق والهاتف، وأنكروا بعض ما أنكره الإخوان، كالمكوس، ورأوا وجوب رفعها. وربطوا قضية الجهاد بالإمام. لكنهم أكدوا، بجلاء، أن إنكار ما هو منكر من تلك المآخذ، "لا يبيح الخروج على ولي الأمر" (اُنظر ملحق فتوى علماء نجد في مآخذ الإخوان على الملك عبدالعزيز، عام 1345هـ/ 1927م).

لقد كانت الفتوى نصراً للسلطان عبدالعزيز، وخيبت آمال الإخوان. ومع ذلك، لم تغير موقف بعض قادتهم، خاصة فيصل الدويش، وسلطان بن بجاد. فعملوا على إيجاد أزمة بين السلطان عبدالعزيز والحكومة البريطانية، ووضع السلطان في موضع حرج. ففي أوائل عام 1346هـ / يوليه 1927م، هجم فيصل الدويش، وأتباعه، على بعض مراكز الحاميات العراقية، على الحدود السعودية ـ العراقية، وقتلوا بعض أفرادها، وهدموا بعض المخافر العراقية. وقد احتجت الحكومة البريطانية على ذلك. فرّد السلطان عبدالعزيز، بأن الحكومة العراقية هي التي بدأت الشر، وذلك ببناء المخافر على الحدود السعودية ـ العراقية، إذ إن ذلك يخالف اتفاقية العقير؛ وأنه لم يأمر الدويش بمهاجمة العراق. واستمر الدويش، وأتباعه، في غاراتهم على الأراضي، العراقية والكويتية. فقامت الطائرات البريطانية بمهاجمتهم، وألحقت بهم خسائر فادحة. إلا أن ذلك، لم يوقف نشاط المعارضين من الإخوان، بل حاولوا تكثيف نشاطهم، واجتمعوا في مكان بين الزلفي وعنيزة، لرسم خططهم المستقبلية. وتوجه السلطان عبدالعزيز إلى بريدة، لمراقبة الوضع عن كثب. ولكن قرب موسم حج سنة 1346 هـ/مايو 1928م، جعله يغادر بريدة إلى الحجاز، ويوفد إلى المعارضين، الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، مفوضاً من قبله بتلبية مطالبهم. كما أخبرهم أنه سيبحث المشاكل الحدودية، مع ممثل بريطانيا في جدة. وبعد انتهاء مناسك حج سنة 1346هـ /1928م، بسلام، ناقش السلطان عبدالعزيز موضوع بناء المخافر، من قبل الحكومة العراقية، على الحدود السعودية ـ العراقية، مع ممثل الحكومة البريطانية، جلبرت كلايتون. ولكن المحادثات فشلت، بسبب إصرار الحكومتَين، البريطانية والعراقية، على بناء المخافر. وعاد السلطان عبدالعزيز إلى الرياض، في شهر ربيع الأول سنة 1347هـ/ أغسطس 1928م، "وهو أكثر تصميماً على حل مشكلة أولئك المعارضين من الإخوان".

ولكنه رأى أن يعرض المشكلة القائمة، ومشكلة الحدود السعودية ـ العراقية على مؤتمر، يعقد في الرياض، دُعي إليه العلماء والزعماء، ورؤساء الحواضر والبوادي. وبلغ عدد الحضور 800 شخص. وأطلق على المؤتمر اسم "الجمعية العمومية"، التي افتتحها السلطان عبدالعزيز، في 22 من جمادى الأولى سنة 1347هـ/5 نوفمبر 1928م. وتغيب عن المؤتمر كلٌّ من فيصل الدويش، وسلطان بن بجاد، وضيدان بن حثلين. ولكن فيصل الدويش، كان أكثر مرونة، إذ أرسل ابنه، عبدالعزيز، نائباً عنه. وقد ألقى السلطان عبدالعزيز كلمة ضافية، أوضح فيها سبب انعقاد الجمعية العمومية. ثم سأل عما إذا كان هناك أي شكوى ضده، أو ضد أحد من عماله. كما شرح ما قام به من أعمال، في سبيل توحيد البلاد. ثم عرض تنازله عن الحكم لأي شخص، يختارونه من آل سعود. ويقول الدكتور عبدالله العثيمين: "كان العرض فكرة بارعة، ألهبت حماسهم، وجعلتهم يصدقون بأنهم لا يرضون به بديلاً". ثم وجه السلطان عبدالعزيز سؤالاً إلى العلماء، عما إذا كانوا يرون في تصرفاته وأعماله، ما هو مخالف للشرع. "فأجابوا بأنهم لم يروا فيه، إلا الالتزام بذلك الشرع المطهر". كما تحدث في الجمعية العمومية بعض زعماء الإخوان، فسألوا عن مسألة البرقيات؛ أمحرمة هي، أم غير محرمة؟ والمخافر، التي في اعتقادهم، أنها بنيت في أماكن، كانت مراعي للمسلمين، فهل يجوز، شرعاً، السكوت عليها؟ والجهاد في سبيل الله، أيحل إيقافه. فأعاد العلماء الفتوى السابقة، التي أفتوا بها، في المؤتمر السابق، وهي التوقف في مسألة البرقيات، ووجوب إزالة المخافر. وأما الجهاد، فهو واجب. ولكنهم تركوا هذه المسائل لولي الأمر، ليعالجها بالطريقة التي يراها. وهكذا، انتهت الجمعية العمومية إلى تجديد البيعة للسلطان عبدالعزيز، وإطلاق يده في اتخاذ ما يراه مناسباً، ضد المعارضين له.

معركة السبلة

لقد كانت قرارات الجمعية العمومية، نصراً سياسياً للسلطان عبدالعزيز. ولكن قادة المعارضين من الإخوان، لم يلتزموا بها، بل أعلنوا أنهم قائمون بأمر الدين، وإقامة الشريعة، التي زعموا أن السلطان عبدالعزيز، كاد يهدمها؛ إذ أصبح، في نظرهم، موالياً للكفار، وشريكاً لهم. وقد طلب كلٌّ من سلطان بن بجاد، وفيصل الدويش، من السلطان عبدالعزيز، أن يسمح لهما ولأتباعهما، بمهاجمة من وصفوهم بأعداء الدين، خارج الحدود الشمالية للبلاد السعودية. أما ضيدان بن حثلين، فقد قام بمهاجمة بعض القبائل، في العراق والكويت. وقد تريث السلطان عبدالعزيز في اتخاذ قرار في شأن أولئك العصاة. ولكن تريثه، كان لتبلور عدة أمور، منها أنه كان يفاوض الحكومة البريطانية في شأن حل مسألة الفارين من بلاده، إلى البلدان التي كانت تحت الانتداب البريطاني، ولها سلطان عليها، مثل العراق والأردن والكويت، الأمر الذي شجعهم على التمادي في عصيانهم. فسار سلطان بن بجاد، بأتباعه، إلى الأرطاوية، مقر فيصل الدويش. ومن هناك، بدأوا بمهاجمة بعض القبائل، التابعة للسلطان عبدالعزيز، بل إنهم استولوا على إبل لتجار من بريدة، وقتلوا أصحابها. وهنا، فَقَدَ السلطان صبره على أعمالهم تلك، التي اتضح أنها ليست موجهة إلى خارج البلاد، كما يدعون، بل إنها شملت أناساً أبرياء من أهل البلاد. فأمر أتباعه بالاستعداد للقتال، والتوجه إلى القصيم. كما أن السلطان عبدالعزيز نفسه، انطلق إلى بريدة، وذلك في 22 رمضان من سنة 1347هـ/5 مارس 1929م. وكان الأمير سعود بن عبدالعزيز، قد وصل إلى بلدة النبقية، من قرى القصيم، على رأس قوة كبيرة. فخرج إليه والده، السلطان عبدالعزيز، من بريدة، وتوجها إلى بلدة الزلفي.

أما سلطان بن بجاد، والدويش، فقد جمعا أتباعهما في روضة السبلة، على بُعد عشرين كيلومتر من الزلفي. وتحرك السلطان عبدالعزيز، بقواته، حتى أصبح على مقربة من خصومه، وبدأ يفاوضهم في تحكيم الشرع.

ولكن المفاوضات، لم تسفر عن حل. ومع أن السلطان عبدالعزيز، أرسل إليهم بعض العلماء، لحل النزاع، وحقن الدماء، فقد تمادى المعارضون في تمردهم. وكان فيصل الدويش، قد طلب مقابلة السلطان عبدالعزيز، فأذن له، وتناقشا، فأخبره السلطان عبدالعزيز، أنه لا بدّ من رضوخ المعتدين لحكم الشرع. ووعده فيصل الدويش باقناع سلطان بن بجاد ورفاقه بتلبية طلبه. وقد أنذره السلطان عبدالعزيز، بأنه إن لم يتلق الإجابة، بذلك قبل الصباح، فإنه سيهاجمهما. ولكن الدويش، ذهب إلى أنصاره من المعارضين، وحثهم على الحرب. وعند الصباح، لم ترد إجابة المعارضين، فنظّم السلطان عبدالعزيز قواته، "بحيث كان هو في القلب. وجعل ابنه، سعود، في ميمنة الخيالة؛ وأخاه، محمد بن عبدالرحمن على ميسرتها". ودارت المعركة بين الطرفَين. وتعرضت قوات المعارضين لنيران كثيفة. كما أن خيالة السلطان عبدالعزيز، انقضّت على خصومه، فتشتتت جموعهم، وقتل أعداد كبيرة منهم، وفر بعضهم هاربين. وقد أصيب في تلك المعركة فيصل الدويش، فحمله أتباعه إلى الأرطاوية. أما سلطان بن بجاد، فقد فر، جنوباً.

وانتهت معركة السبلة بانتصار السلطان عبدالعزيز، وكان ذلك في 19من شوال سنة 1347هـ/30 مارس 1929م. وبعد ذلك، تحرك السلطان المنتصر إلى الأرطاوية، حيث قدمت إليه نساء من أسرة الدويش، يطلبن العفو عن فيصل. فعفا عنه، وأمر طبيبه الخاص بمعالجته. بعدها، توجه السلطان عبدالعزيز إلى شقراء، فقدم إليه سلطان بن بجاد، الذي كان يأمل أن يعامله السلطان معاملة الدويش، إلا أنه قبض عليه، وعلى عدد من كبار قومه، الذين ارتكبوا ذنبــاً، لا يغتفر، في حق الأهالي الأبرياء، وحق السلطان عبدالعزيز. وأرسلهم إلى السجن، في الرياض. وأرسل السلطان ابنه، سعوداً، في رفقة أخيه، عبدالله بن عبدالرحمن، إلى الغطغط، هجرة ابن بجاد، فهدماها. ومكث ابن بجاد ورفاقه في سجن الرياض عدة سنين، ثم نقلوا إلى سجن الأحساء، حيث وافتهم المنية.

وقد ذهب السطان عبدالعزيز، في 1347هـ/1929م، إلى الحجاز، وذلك لقرب موسم الحج. لكنه أمر أمراء المناطق، كعبدالله بن جلوي (أميرالأحساء) وعبدالعزيز بن مساعد (أمير حائل)، بتجريد القبائل، التي لم تناصره في معركة السبلة، من السلاح والعتاد.

على أن انتصار السلطان عبدالعزيز، في معركة السبلة، لم يحسم تمرد المعارضين، نهائياً. فقد بعث ضيدان بن حثلين، الذي لم يشارك في معركة السبلة، وكان مقيماً بالصرار على مقربة من الأحساء، برسالة إلى السلطان عبدالعزيز، يذكر له فيها "أنه يتفق مع ابن بجاد والدويش، على إزالة ما وُضع على الحدود مع العراق، ولكنه يبرأ من أعمالهما ضد أبناء البلاد". فرد عليه السلطان عبدالعزيز، بخطاب، لم يفهم منه رضا السلطان ولا عدمه. فبعث إليه عبدالله بن جلوي بقوة، تحت قيادة ابنه، فهد، التقت قوات ابن حثلين، في العوينة، بالقرب من الصرار. فقُتل ضيدان، وقُتل فهد بن عبدالله بن جلوي، وذلك في 19 ذي القعدة سنة 1347هـ/30 أبريل 1929م.

وقد خشي العجمان من بطش عبدالله بن جلوي. فنزحوا من الصرار، تحت قيادة نايف بن حثلين، ابن عم ضيدان، ونزلوا الوفراء، بالقرب من الكويت. وبينما كان السلطان عبدالعزيز في الحجاز، نكث فيصل الدويش، الذي برئت جراحه، عهده الذي قطعه للسلطان عبدالعزيز. فترك الأرطاوية، واستقر بالقرب من الوفراء. فانضم إليه نايف بن حثلين وجماعته. كما انضم إليه بعض من قبائل عتيبة ومطير وعنزة، من طلاب الكسب. ولحقت بهم فلول معركة السبلة. وعلم السلطان عبدالعزيز بذلك التجمع، فطلب من الحكومة البريطانية الوفاء بتعهداتها، وذلك بإلزام الأقطار المجاورة له، الواقعة تحت نفوذها، عدم مساعدة المتمردين، أو إيوائهم. فالتزمت الحكومة البريطانية بذلك. كما أمر السلطان زعماء القبائل، خاصة عتيبة، أن يقابلوه في بلدة الدوادمي، وهو في طريق عودته من الحجاز إلى الرياض. ففعلوا. فألزمهم بالاستعداد والتأهب لمقاتلة المتمردين في شمال شرقي البلاد.

وفي أوائل عام 1348هـ/ صيف 1929م، عادت الثورة مجدداً، بزعامة فيصل الدويش، الذي شرع، بمساعدة بعض قبيلة العجمان، يهاجم الأبرياء، من القبائل الموالية للسلطان عبدالعزيز، كما هاجم القوافل، فعاثت في الأرض فساداً. وكان مقعد بن الدهينة، من النفعة، من عتيبة، قد أعلن التمرد، في شمال شرقي البلاد. فكادت تنقطع المواصلات بين الحجاز ونجد، من جهة، ونجد والخليج العربي، من جهة أخرى. وهنا، جهز السلطان عبدالعزيز عدة حملات، لتأديب المتمردين، من نجد والحجاز وبلاد شمر.وقامت تلك الحملات بمطاردتهم، واستطاعت القضاء عليهم. وفر مقعد الدهينة إلى العراق. أما فيصل الدويش، ونايف بن حثلين، وجاسر بن لامي، فقد استسلموا للسلطات البريطانية، في الكويت، في 8 شعبان 1348هـ/10 يناير 1930م. ونقلتهم إلى سفينة بريطانية، في شط العرب. وبعد مفاوضات بين المندوبين البريطانيين والسلطان، سلم المعارضون الثلاثة، للسلطان عبدالعزيز، وذلك في 28 شعبان من سنة 1348هـ/30 يناير 1930م. وقد أودعهم السلطان عبدالعزيز السجن، في الرياض. وتوفي فيصل الدويش في السجن، عام 1350هـ/1931م. وأما نايف بن حثلين وجاسر بن لامي، فقد نقلا إلى سجن الأحساء، مع السجناء الأولين، ابن بجاد ورفاقه، ووافتهما المنية هناك. وبهذا انتهت فتنة الإخوان.

2. تمرد حامد بن رفادة

كان أمير شرق الأردن، عبدالله بن الحسين، يسعى إلى زعزعة الأمن في الحجاز، الذي طُردت منه أسرته، خاصة بعد أن أصبح الحجاز ينعم بنعمة الأمن والاستقرار، تحت حكم السلطان عبدالعزيز.

وقد استطاع الأمير عبدالله، أن يقنع أحد شباب الحجاز، وهو حسين الدباغ، بتأليف حزب سري، يعمل على مناوأة ابن سعود، وإخراجه من الحجاز،وأمده بالمال والعتاد. وكان حسين الدباغ ، قد فر من الحجاز، بعد دخولها تحت الحكم السعودي. وكان ناقماً على ابن سعود، ويرى أن الحجاز يجب أن يكون للحجازيين، وأن يتحرر من الوهابيين. فبادر إلى تأليف "حزب الأحرار الحجازي"، من الحجازيين، في مصر. وأسندت رئاسته إلى أخيه، طاهر الدباغ. كما كان من أعضائه حامد بن سالم بن رفادة، من قبيلة بلي، الذي سبق أن قام بتمرد في شمالي الحجاز، عام 1347هـ/1928م، ولكنه فشل، فهرب إلى مصر. وخطط أعضاء الحزب، بعد التشاور مع أمير شرق الأردن، أن يقوم حامد بن رفادة بحركة تمرد في شمالي الحجاز. كما خطط الحزب، أن يُقنع الإدريسي بالقيام بتمرد، في جازان، وأن يُرتب مع مؤيدي الحزب، للثورة في المدن الكبيرة في الحجاز.

وتحقيقاً لتلك الأغراض، سافر حامد بن رفادة، من القاهرة، في أواخر سنة 1350هـ/ أبريل 1932م، متوجهاً إلى عمان، حيث أُعطي الجنسية الأردنية. ثم عاد إلى مصر، وأخذ يتصل برجال قبيلته، المقيمين بها، لحثهم على القيام بحركة تمرد، في شمالي الحجاز. وقد تمكن ابن رفادة من جمع عدد من أفراد قبيلة، بلي. ووصل بأنصاره الذين بلغوا أربعمائة مقاتل، إلى غربي العقبة، داخل الأراضي السعودية. وكانت إمارة شرق الأردن، تمدهم بالمؤن والأسلحة، وتوفر له الدعاية الإعلامية. وتمكن ابن رفادة، بعد ذلك، من الوصول إلى جبل شار، الذي يبعد عن بلدة ضبا حوالي خمسين كيلومتراً، إلى الشرق.

وكان السطان عبدالعزيز على دراية تامة بتحركات حامد بن رفادة، فأخذ يعد للأمر عدته. فأمر بالقبض على بعض الأشخاص، في مكة، الذين خشي أن يكون لهم ضلع في المؤامرة. كما اتصل بالحكومة البريطانية، طالباً منها التقيد ببنود معاهدة حدَّة، التي نظمت العلاقة بالأردن، وعدم مساعدة المناوئين له. فالتزمت الحكومة البريطانية بذلك. وأصدر ممثلها في الأردن بياناً، أكد فيه منع المساعدات عن المناوئين للسلطان عبدالعزيز. كما أصدر أمير الأردن بياناً مماثلاً، بناء على مشورة بريطانيا.

فلما أيقن السلطان عبدالعزيز عدم مقدرة المتمردين على الفرار، أرسل القوات إلى جبل شار، للقضاء على حركة ابن رفادة، فأحاطت به وبمن معه، وفتكت بهم، ولم ينج إلا ثلاثون شخصاً، وطوردوا، ثم قضي عليهم، وذلك في 26 ربيع الأول سنة 1351هـ/30 يوليه1932م.

3. تمرد الأدارسة

أما الأدارسة، في المخلاف السليماني (جازان)، فقد غرر بهم ملك شرق الأردن، عبدالله بن الحسين، حينما وصل إليهم حسين الدباغ، بوصفه مندوباً عنه، وحرضهم على العصيان على ابن سعود، والثورة ضده، في الوقت الذي تقع فيه حركة ابن رفادة في الشمال. وقد قاد حركة التمرد في تلك المنطقة السيد حسن بن علي الإدريسي، الذي كان قد دخل تحت الحكم السعودي، بموجب اتفاقية مكة، في 14 ربيع الآخر 1345هـ/21 أكتوبر 1926م. فبعث إليه السلطان عبدالعزيز برقية، في 28 جمادى الآخرة 1350هـ/11 نوفمبر1931م، يذكره فيها بالاتفاقية بينهما. لكنه لم يصغ إليه، وأخذ يراوغ، بل قام بمحاصرة المندوب السعودي، فهد بن زعير، ورجاله، في جازان، في 5 رجب 1351هـ/4 نوفمبر 1932م. ووصله بعض المدد من حزب الأحرار الحجازي. إزاء هذا التطور، بعث عليه السلطان عبدالعزيز جيشاً كبيراً، بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، دخل جازان، في 18 رجب 1351هـ/نوفمبر1932م. ونجح في القضاء على تمرد الأدارسة في أواخر شوال 1351هـ/24 فبراير 1933م، وفر زعماؤهم إلى اليمن. فطلب السطان عبدالعزيز من الإمام يحيي حميدالدين، تسليم الفارين، تنفيذاً للمعاهدة المعقودة بين الطرفَين. ولكن الإمام، رجا السلطان، أن يعفو عنهم، وأن يبقى السيد حسن الإدريسي وأهله خاصة، في اليمن. فوافق السلطان عبدالعزيز على ذلك، وعفا عنهم. فعاد قسم منهم إلى جازان، وخصص للسيد حسن وأسرته مرتبات سخية. ولكن إمام اليمن، حاول استغلال الإدريسي ضد ابن سعود. فلما وقع الخلاف بين المملكة العربية السعودية واليمن، عام 1352هـ/1933م، كان من شروط الصلح بينهما تسليم الأدارسة للملك. فسلموا بتاريخ 14 ربيع الأول 1353هـ/26يونيه 1934م، فأكرم الملك عبدالعزيز وفادتهم، وأنزلهم في مكة المكرمة.