إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



الفصل الثالث

الفصل الثالث

ضم الأحساء وعسير

 

1. ضم الأحساء

تمثل منطقة الأحساء، الغنية بمواردها، الزراعية والحيوانية، وموانئها التجارية، أهمية كبيرة لمناطق نجد الداخلية. ويبدو ذلك واضحاً من خلال دراسة تاريخ الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، اللتَين كانت الأحساء جزءاً منهما. وترابط فيها حاميات عثمانية، منذ عام 1288هـ/1871م.

وبعد سيطرة الأمير عبدالعزيز بن سعود على القصيم، وتثبيت حكمه في نجد، تحول اهتمامه إلى منطقة الأحساء، منتهزاً فرصة انشغال الدولة العثمانية بحرب البلقان، وضعفها بعد هزيمتها أمام إيطاليا، في طرابلس الغرب. وفي تلك الفترة، عجز المتصرف العثماني في الأحساء، عن حفظ الأمن للحاضرة، في تلك المنطقة الحيوية، وأصبحت عُرضةً لهجمات البادية. فكتب أهل الحل والعقد في منطقة الأحساء إلى الأمير عبدالعزيز بن سعود، ليخلصهم من تلك الفوضى. وهنا، بدأ اتصالاته مع مؤيديه، في الأحساء والقطيف، ممهداً لما سيقوم به من عمل عسكري ضد العثمانيين، في هاتَين المنطقتين. وبعد أن قام بكل الإجراءات الاحتياطية، زحف بجيشه إلى الأحساء، من الرياض. ورتب أمره مع قبيلة العجمان، لتغزو معه، ولا تنقلب عليه. وقصد بلدة الهفوف، في جمادى الأولى سنة 1331هـ/أبريل 1913م، وهيأ له أنصاره، في داخل البلدة، الوسائل التي تسهل دخوله إليها. وقسم الأميرعبدالعزيز جيشه إلى قسمَين. قسم أبقاه خارج بلدة الأحساء، بقيادة عبدالله بن جلوي بن تركي، وقوامه أربعمائة رجل، ليحموا ظهور الداخلين إليها من أي هجوم، تشنه القبائل عليهم. وقسم، بقيادته، يدخل البلدة، ويستولي عليها. ثم وُضعت سلالم بجانب السور، فصعد عليها بعض جنده، وأدلوا الحبال، فتسوره الآخرون، وانتشروا، بسرعة، داخل البلدة، واستولوا على كل المراكز العسكرية فيها، وفُتحت فتحة في سور البلدة، فدخل منها الملك عبدالعزيز مع باقي رجاله، ممن كانوا خارج البلدة. وتحصنت الحامية التركية، ومعها المتصرف العثماني، بقصر إبراهيم. وأقبل الناس على عبدالعزيز، مرحبين، وبايعوه. واستسلمت الحامية التركية، والمتصرف، وأمنهم على أرواحهم، وخرجوا من القصر، في 28 جمادى الأولى عام 1331هـ/6 مايو 1913م، وقام الأمير عبدالعزيز بترحيلهم إلى العُقير، ومنها إلى البحرين.

وبعد أن أكمل الأمير السعودي سيطرته على الأحساء، أرسل سرية إلى القطيف. فبادر أهلها إلى التسليم، وفر من فيها من الجنود العثمانيين، على السفن. واعترفت الدولة العثمانية لابن سعود بسيطرته على الأحساء، تحت السيادة العثمانية. وعين عبدالله بن جلوي أميراً على منطقة الأحساء.

وبضم هذه المنطقة الإستراتيجية، ذات السواحل الطويلة، أمّن لدولته منافذ بحرية، بعد أن كانت دولة داخلية.

2. معركة جُـراب

في عام 1333هـ/1915م، اجتمع الأمير عبدالعزيز، في ميناء العقير، إلى الوكيل السياسي البريطاني المقيم في الخليج، السير برسي كوكس (Percy Cox ) ومن العقير توجه إلى الكويت، واجتمع، في الصبيحية، إلى وفد من الأتراك، رأسه السيد طالب النقيب، الذي قدم من البصرة. وفي الوقت نفسه، كانت الدولة العثمانية تتفق مع سعود بن عبدالعزيز بن رشيد، على محاربة ابن سعود. وزودته بأموال وبعشرة آلاف بندقية مع الذخائر. ولما علم ابن سعود باتفاق ابن رشيد مع الأتراك، كتب إليه يذكره بتهادنهما، بما جرى بينهما من العهد. ورد سعود بن رشيد قائلاً: "إني من رجال الدولة العثمانية. وصلحي معك، لا يكون نافذاً، إلاّ إذا رضيت هي به". فعدّ ابن سعود هذا الرد خيانة له، وكتب إليه، يقول: "إذا كنت مصرّاً على نكث الصلح، فالمقاومة أولى".

وكانت الحرب العالمية الأولى، قد اندلعت في في أوروبا في 28 يوليه 1914م. واحتل الإنجليز البصرة، وأخرجوا العثمانيين منها. وأرسلوا موفدهم، الضابط شكسبير وكان الوكيل البريطاني في الكويت، ومعه تفويضات من حكومته، للتباحث مع ابن سعود، الموجود، آنذاك، في القصيم. كما أرسل الأتراك إلى ابن سعود، في بريدة، وفداً، برئاسة الأديب المعروف، محمود شكري الألوسي، مزوداً بمبلغ عشرة آلاف ليرة عثمانية، في محاولة استقطاب ابن سعود في مصلحتهم. وردّ الأمير عبدالعزيز الوفد التركي رداً جميلاً. وخاطب شكري الألوسي بقوله: "إن الأمور على ماترى. فلا يمكنني مقاومة الإنجليز، وقد احتلوا البصرة". أمّا الموفد الإنجليزي، الضابط شكسبير، فبقى لدى ابن سعود.

وخرج سعود بن رشيد، يريد القضاء على ابن سعود، بعد ما جهز جيشاً، قوامه ألف وخمسمائة رجل، من الحضر، وألفان وستمائة، من بوادي شمر وثلاثمائة فارس. فاستعد الأمير عبدالعزيز للقائه بجيش، قوامه ألف وستمائة فارس مزود بمدفع واحد. خرج بهم من الرياض، وانضم إليه كثير من بوادي مطير والعجمان وسبيع والسهول، ولحقت به حاضرة القصيم. والتقى الفريقان، في 8 ربيع الأول 1333هـ/23 يناير 1915م، في موقع "جُراب"، شرقي بلدة الزلفي. واحتدم بينهما القتال. وتراجع بادية العجمان وفرسانها، وانسحبوا من جانب عبدالعزيز بن سعود، بل إنهم نهبوا معسكراته.

وأغار فرسان شمر على ما بقي من معسكرات ابن سعود، وغنموا ما بها. ولحقت الهزيمة بجيش الأمير عبدالعزيز، بسبب خيانة العجمان، ولتفوق ابن رشيد، بالأسلحة الحديثة، التي زودته بها الدولة العثمانية.

ولقد خسر الفريقان، في موقعة جراب، خسائر فادحة. ولم يحقق أي منهما الانتصار الحاسم. وقتل في هذه المعركة الضابط الإنجليزي شكسبير الذي أصر على مرافقة ابن سعود في تلك الحملة. وعاد ابن سعود إلى الرياض.

3. الحرب بين ابن سعود وقبيلة العجمان، وموقعة كنزان

بعد تنكر العجمان للأمير عبدالعزيز، في موقعة جراب، وانقلابهم ضده ونهب معسكراته، أراد تأديبهم، ولكنه كان يعاني، في ذلك الوقت، آثار موقعة جراب والخسائر التي لحقت به، وقلة في السلاح والرواحل، ويخشى من ارتداد سعود بن رشيد إليه، وهو منشغل بأمر العجمان.

ولكنه قرر الخروج إليهم، ليؤدبهم في مواطنهم في الأحساء، في وقت اشتداد الحرارة، في شعبان 1333هـ/يونيه 1915م. واتفق مع حاكم الكويت، مبارك الصباح، على أن يسانده ويمده بالسلاح والرجال، وألا يستقبل تلك القبيلة، إنْ لجأت إليه.

وقصد الأمير عبدالعزيز الأحساء، ومعه جنود، لا يتجاوز عددهم ثلاثمائة رجل وجنّد من أهل الأحساء حوالي تسعمائة مقاتل. وكانوا يسيرون ليلاً، لتلافي الحرارة الشديدة. والتقى العجمان في موقع يقال له "كَنْزَان"، حيث بدت لهم الأشجار، في وسط رمال النفود، في الليل، كأنها بيوت من الشعر. فشرع جنود ابن سعود، من أهل الأحساء، يطلقون النار من بنادقهم. ولكن العجمان خرجوا من بيوتهم وكمنوا وراء الأشجار. ولما تقدم المهاجمون، انقض العجمان عليهم من مكامنهم ومن خلفهم. واحتدم القتال، في الليل البهيم، ودارت الدائرة على ابن سعود وجنوده. وجرح الأمير عبدالعزيز. وقتل أخوه، سعد بن عبدالرحمن. وتقهقرت قواته، راجعة نحو الأحساء. وكان ذلك في 15 شعبان 1333هـ/29 يونيه 1915م.

تعقبت جموع العجمان قوات ابن سعود، وحاصرتهم في بلدة الهفوف. وشددوا عليهم الحصار أكثر من ستة أشهر. وكانت تصل العجمان إمدادات من ابن رشيد، وغيره من أمراء الخليج، ويرعون إبلهم وخيلهم في حرث أهل الأحساء، ويتغذون بثمار نخيلهم.

ولما اشتد الحصار، كتب الأمير عبدالعزيز إلى والده، الإمام عبدالرحمن بن فيصل، لنجدته. فجهز له قوة كبيرة من أهل نجد، سار بها ابنه، محمد بن عبدالرحمن، استطاعت أن تخفف من وطأة الحصار على المحاصرين. ووصلت نجدات أخرى، من الكويت، بقيادة سالم بن مبارك الصباح، ومن منطقة القصيم. وخاضت القوات القادمة للنجدة، والقوات المحاصرة، قتالاً شديداً ضد العجمان. وجرت جولات بين الفريقَين، اضطر، بعدها، العجمان إلى الانسحاب من أطراف الأحساء، متجهين إلى الشمال. فاقتفى أثرهم الأمير عبدالعزيز بن سعود. ولم يتمكن من اللحاق بهم، لقلة الرواحل. وواصل العجمان فرارهم نحو الكويت، حيث آواهم الشيخ مبارك الصباح، على الرغم من العهد الذي بينه وبين ابن سعود. وخسر ابن سعود، في معركته مع العجمان، عدداً كبيراً من رجاله.

وظل العجمان مصدر تهديد لابن سعود، حتى اضطرت بريطانيا إلى الضغط على حاكم الكويت، آنذاك، سالم بن مبارك بن صباح، ليتخلّى عن التعاون معهم، مما دفعهم إلى تغيير موقفهم، وتعهدوا بالانقياد للأمير عبدالعزيز بن سعود.

4. قيام حركة الإخوان

سعى الأمير عبدالعزيز بن سعود إلى الاستفادة من قوة البادية، بالسيطرة عليها، وتهذيبها، وتوجيهها إلى الأعمال النافعة. وسعى، أيضاً، إلى هدف ديني سامٍ، هو رفع الوعي الديني لدى هذه الفئة، التي لا تتيح لها حياة البداوة فرصة للتفقه في أمور الدين. وقد بدأ يبعث الدعاة إلى القبائل، في مواطنها، ليحثوهم على هجر ما كانوا عليه، من أمور لا تتفق مع أحكام الدين. وشجعوهم على الاستيطان في أماكن قريبة من البلدان والقرى، يسهل الوصول إليها. وكانت أولى نتائج هذه الجهود، قدوم جماعة من قبيلة حرب، للاستقرار في بلدة حَرْمة، عام 1330هـ/1912م. ثم انتقلوا إلى الأرطاوية، وهو مورد ماء في نجد، وبنوا لهم مساكن، وأطلقوا على هذه المستوطنة اسم "هِجْرة"، إشارة إلى هجرهم نمط حياتهم الأول، والانتقال إلى نمط جديد، يعتمد على أسس دينية. وصارت هجرة " الأرطاوية"، فيما بعد، مركزاً لزعيم قبيلة مطير، فيصل الدويش. وتوالى تأسيس الهجر، في أرجاء نجد، في مناطق صالحة للزراعة، أقطعهم إياها الأمير عبدالعزيز. وكان من أعظمها هجرة "الغطغط"، التي كانت مقراً لزعيم قبيلة عتيبة، سلطان بن بجاد بن حميد. وأمد الأمير عبدالعزيز سكان الهجر بالمساعدات، لبناء المساجد والكتب الدينية، وإرسال الدعاة إليهم. وأطلقوا على أنفسهم اسم "الإخوان"، إشارة إلى ما صار يربط بين أفراد هذه المستوطنات، من روابط دينية، تغلبت على الروابط، القبلية والعصبية. وتشدد هؤلاء الإخوان في تعاملهم مع من ليس منهم، من أقربائهم أو من القبائل الأخرى. وانضم إليهم عدد كبير من الأتباع، عن اقتناع ديني، أو رهبة بطشهم، أو رغبة في المشاركة في الغنائم، التي تجمع بعد المعارك. ولقد أدى ظهور حركة الإخوان إلى فوائد للدولة السعودية، في بداية تأسيسها، منها:

أ. القضاء، إلى حدّ ما، على العداء، الذي كان يثور بين القبائل، بين الفينة والأخرى.

ب. التخفيف من حدّة الولاء القبلي لزعماء القبائل، لحساب القيادة الدينية، المتمثلة في الحكومة المركزية.

ج. تكوين فرق عسكرية ضاربة، تدفعها الحماسة الدينية إلى الفتح والقتال، كانت عوناً للدولة على السيطرة على الحجاز، وغيرها من المناطق.

د. تسهيل مهمة الحكومة المركزية في الحفاظ على الأمن (انظر ملحق أسماء الهجر مرتبة هجائياً، وإلى جانبها أسماء القبائل، التي عمرتها، واستقرت فيها جماعات منها).

5. معاهدة دارين، أو القطيف، بين الأمير عبدالعزيز بن سعود وبريطانيا

بعد نشوب الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العثمانية، تسعى لاستقطاب الأمير عبدالعزيز إلى جانبها، كما مر بنا. فقد أرسلت الدولة العثمانية وفداً، قدم من البصرة، برئاسة طالب النقيب. كما قدم عليه وفد آخر، من بغداد، برئاسة محمود شكري الألوسي، الذي يحب أهل نجد. ولكن كلاً من الوفدَين، لم يحقق ما أرادته الدولة، ووجدت وثائق عثمانية تدل على رغبة العثمانيين الاعتراف بالأمير عبد العزيز بن سعود والياً على نجد ومنحه رتبة الباشوية (انظر ملحق اتفاق بين الأمير عبدالعزيز بن سعود والدولة العثمانية). في الوقت نفسه، أسرع الإنجليز إلى الاتصال بالأمير عبدالعزيز بن سعود، يطلبون مساعدته ودعمه لهم، ضد الأتراك. وقدم عليه الضابط الإنجليزي، شكسبير، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، ليبلغه استعداد بريطانيا للاعتراف به، حاكماً مستقلاً على نجد والأحساء، وعقد معاهدة معه، وحمايته من أي عدوان، يأتي من طريق البحر. كل هذا، نظير تعاونه معها على طرد الأتراك من البصرة. ولقد بقى شكسبير ممثلاً لبريطانيا في الرياض، وسار إلى جانب الأمير عبدالعزيز، في موقعة جراب، وقتل فيها.

وبدأت المباحثات لعقد معاهدة بين ابن سعود وبريطانيا، في أبريل 1915م، بين الأمير عبدالعزيز والسير برسي كوكس، المقيم البريطاني في الخليج، المفوض صلاحيات واسعة من حكومته. واستعرضا مقترحات أعدها الطرفان لمشروع المعاهدة. وبعد جولات من المفاوضات، توصل الطرفان إلى معاهدة دارين، أو معاهدة القطيف، في 18 صفر 1334هـ/26 ديسمبر 1915م، اعترفت فيها بريطانيا بالأمير عبدالعزيز بن سعود، حاكماً مستقلاً على نجد والأحساء وتوابعها (اُنظر ملحق نص معاهدة دارين، أو معاهدة القطيف، بين الأمير عبدالعزيز بن سعود وبريطانيا، 18 صفر 1334هـ /26 ديسمبر 1915م). وصادف وجود شكسبير في الرياض خروج ابن سعود في غزوة "جراب"، لقتال ابن رشيد، فأصر على مرافقة الحملة السعودية، فأصابته رصاصة قاتلة، فسقط قتيلاً.

6. ضم عسير

لمحة إلى وضع عسير، حتى الحرب العالمية الأولى

دخلت منطقة عسير تحت النفوذ السعودي، في الدولة السعودية الأولى، وبالتحديد في زمن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، حينما توجهت إليها سرية، بقيادة أمير وادي الدواسر، ربيع بن مزيد، عام 1215هـ/1800م. وأخذ أهلها بمبادىء الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب. وعين الإمام عبدالعزيز بن محمد، محمد بن عامر أبا نقطة، من آل المتحمي، من قبيلة ربيعة، والياً من قبله، على منطقة عسير وتهامة والسراة.

ولما توفي محمد بن عامر، في عام 1218هـ/ 1803م، بعد ثلاثة أعوام من إمارته، تولى الأمارة أخوه عبدالوهاب أبو نقطة، وظل يحكم باسم السعوديين، حتىعام 1224هـ/1809م. قدم، في هذه الفترة، خدمات جليلة للدولة السعودية الأولى، وشارك مع الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد، في فتح جدة ومكة المكرمة، عام 1218هـ/1803م، وأخضع كثيراً من مناطق المخلاف السليماني للنفوذ السعودي. وقتل عبدالوهاب أبونقطة في معركة، بينه وبين الشريف حمود أبي مسمار، أمير أبي عريش، عام 1224هـ/1809م. وعين الإمام سعود بن عبدالعزيز، طامي بن شعيب المتحمي، أميراً على عسير، عام 1225هـ/1810م. واستمر يحكمها، باسم آل سعود، حتى قدمت عليه قوات محمد علي باشا، والي مصر، في حملتها على عسير، 1230هـ/ 1815م، وأسرته، على الرغم من الشجاعة، التي تميز بها، وبعد أن حقق انتصارات كبيرة عليها. ثم أرسل إلى مصر، ومنها إلى الآستانة، حيث أعدم. وكان هذا آخر عهد السعوديين بحكم عسير، فلم تتمكن الدولة السعودية الثانية من بسط نفوذها، خارج حدود نجد والأحساء.

وفي فترة الحكم المصري لعسير، ظهرت شخصية سعيد بن مسلط، من قبيلة بني مغيد، من قحطان. وانتقلت الإمارة، بذلك، من آل المتحمي إلى آل بني مغيد، ومنهم آل عايض. وقاوم سعيد بن مسلط الحملات التركية ـ المصرية، التي قادها أحمد باشا، والي الحجاز، على عسير، حتى توفي عام 1242هـ/ 1826م.

وخلف سعيد بن مسلط، ابن عمه، علي بن مجثَّل المغيدي، عام 1243هـ/1827م، الذي كان داعية لمبادىء الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية. وصادفت إمارته تقلص نفوذ محمد علي في شبه الجزيرة العربية، وانسحاب قواته من عسير؛ فاستطاع أن يبسط نفوذه على كثير من مناطق عسير وتهامة. واستولى على الحديدة، في عام 1248هـ/ 1832م. وقبيل وفاته في 12 شوال عام 1249هـ/ 23 فبراير 1834م، أوصى أن يخلفه عايض بن مرعي المغيدي، وبايعه أهل المنطقة أميراً عليهم . وأظهر بسالة في مقاومة حملات شريف مكة، محمد بن عون، ومن معه من الأتراك، على عسير، عام 1250هـ/ 1834م. وتمكن عايض بن مرعي، أن يجلي الترك عن عسير، عام 1253هـ/ 1837م، ويبسط سلطانه على مناطق تهامة، ويخضع قبائلها لحكمه. وفي عام 1267هـ/1850م، سير الخديوي عباس الأول، والي مصر، حملة كبيرة إلى عسير، واجهتها المقاومة العسيرية بقيادة عايض، وأنزلت بها هزيمة منكرة. واستمر حكم عايض بن مرعي في إمارته على عسير، حتى توفي، عام 1273هـ/1856م. وخلفه ابنه محمد بن عايض. وبعد أن حكم 14 عاماً، سيرت الدولة العثمانية حملة، بقيادة محمد رديف باشا، عام 1288هـ/1871م، قضت على إمارته، وقتل محمد بن عايض، غدراً، بعد أن أعطاه القائد التركي الأمان.

وأصبحت عسير، من 1289هـ/ 1872م، متصرفية عثمانية، مركزها أبها. وكانت الدولة العثمانية تستعين بأفراد من آل عايض، وتعين أحد أفرادها معاوناً للمتصرف، وآخرهم حسن بن علي بن محمد بن عايض، الذي كان معاوناً للمتصرف سليمان شفيق باشا الكمالي. وبقيت هذه المنطقة تحت الحكم العثماني، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عام 1918م، التي هزم الأتراك فيها، واضطروا إلى الرحيل عن المنطقة، في عام 1336هـ/ 1918م، فاستقل بحكمها الأمير حسن بن علي بن عايض.

بعد خروج العثمانيين من عسير، أصبحت المنطقة هدفاً لأطماع الشريف حسين بن علي، حاكم الحجاز، والإدريسي حاكم جازان. وتدهورت أوضاعها، بسبب تدخلات هذَين الطرفَين فيها. كما ازداد الخلاف بين حسن بن عايض وبعض القبائل المهمة في المنطقة، مثل قحطان وشهران وغامد وزهران. فاشتكى زعماؤها إلى الأمير عبدالعزيز بن سعود، تصرفات أميرهم، حسن بن عايض، في وقت كان نجم الأمير عبدالعزيز يتلألأ في سماء شبه الجزيرة العربية، بوصفه مخلصاً لها من براثن التمزق، ومبشراً بوحدتها، التي كانت قد تمتعت بها في عهد أسلافه، زمن الدولة السعودية، الأولى والثانية. وقد حاول الأمير عبدالعزيز بن سعود، أن يحل الخلاف، ويتوسط في النزاع. ولكن ابن عايض رفض وساطة ابن سعود، إذ عدّ ذلك تدخلاً في شؤونه الداخلية. كما تأتّى لأمير نجد عدة عوامل، سياسية وتاريخية، جعلته يقرر، أن الوقت مناسب لضم منطقة عسير إلى حكمه.

أعد الأمير عبدالعزيز بن سعود جيشاً، قوامه ألفا رجل، بقيادة ابن عمه، عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي. وأمره أن يتوجه إلى عسير، وذلك في شعبان عام 1338هـ/مايو 1920م. وكان أغلب هذا الجيش من الإخوان، وممن انضم إليهم من أهل عسير. واستطاع جيش ابن سعود هزيمة جيش ابن عايض، في معركة حَجْلة (حجلاء)، بين أبها وخميس مشيط، سنة 1338هـ/1920م، ثم تقدم ابن جلوي بقواته، حتى استولى على أبها، عاصمة الإقليم. وبعد أن تمكن بن جلوي من إخضاع عسير، عاد إلى الرياض، في صحبة حسن بن عايض، الذي استسلم، بعد فترة قصيرة من سقوط أبها. وبعد أن أقام آل عايض أشهراً في ضيافة الأمير عبدالعزيز بن سعود، عادوا إلى عسير، وخصصت لهم مرتبات شهرية وزودهم بمبلغ خمسة وستين ألف ريال فرنسي (6500 ليرة ذهباً). وعين الأمير عبدالعزيز، أميراً من قبله على منطقة عسير. ولكن كثرت الشكاوى ضده فاستبدل به أمير آخر.

واغتنم حسن بن عايض فرصة إظهار قبائل عسير سخطها، لتنفيذ أطماعه في حكم المنطقة. وقد شجعه الشريف حسين على ذلك. فكان يستنهض قبائل بني شهر، ويساعدهم بالمال والسلاح، ليدعموا ابن عايض. فقام حسن بن عايض بثورة ضد الحكم السعودي في عسير، وحاصر الأمير السعودي في أبها، الذي حاول مقاومته، ولكنه لم ينجح في ذلك. واستمر الحصار عشرة أيام، استسلم، بعدها، الأمير السعودي وحاميته. وبعد شهرَين، جهز الأمير عبدالعزيز بن سعود جيشاً، بقيادة ابنه، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، قوامه ستة آلاف مقاتل، معظمهم من الإخوان. انطلق من نجد، سنة 1340هـ/1921م. وحينما اقترب من عسير، انضم إليه أربعة آلاف مقاتل، من مختلف قبائلها. وهزم جموع بني شهر، في بيشة، ثم واصل سيره، حتى وصل حَجْلة (حجلاء)، التي تقهقر إليها محمد بن عايض وجنوده. ثم أخلى محمد بن عايض، وابن عمه، حسن بن عايض أبها. وتوجه حسن، ومن معه، إلى جبال حرملة الحصينة. وأما محمد بن عايض، فقد فر إلى القنفذة، ومنها إلى مكة، يستنجد بالشريف حسين، الذي أنجده بفرقة صغيرة. ولما علم الأمير فيصل بن عبدالعزيز بأخبار آل عايض، أرسل سراياه إلى حرملة، المنيعة. وبعد معارك، استمرت يومَين، صعد الإخوان إليها. ولم يجدوا حسن بن عايض فيها، فهدموا قصورها، وعادوا إلى أبها. وتقدمت فرق من الإخوان، لمواجهة الجيش الحجازي، القادم لنجدة آل عايض، فوقعت الهزيمة به ولم ينج منه إلا قادته.

هكذا استطاع الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، أن ينتصر على ابن عايض، ويعيد حكم آل سعود إلى منطقة عسير. وعاد الأمير فيصل إلى الرياض، في جمادى الآخرة عام 1341هـ/يناير1923م، بعد أن عين سعد بن عفيصان أميراً على عسير. ووصلت فرقة عسكرية أخرى، من قبل الشريف حسين، للنجدة، يرافقها حسن بن عايض. وحاصرت أمير أبها سعد بن عفيصان، فاستنجد بمن حوله، من أهل الصبيحة وتثليث وعرب قحطان. واشتبكوا في قتال مع قوات الشريف، وفكوا الحصار عن أبها. وتراجعت، على أثر ذلك القتال، تلك القوات إلى حرملة، وتحصنت بها. وتوفي أمير أبها، بعد أيام من فك الحصار. ووصل الأمير السعودي الجديد، وهو عبدالعزيز بن إبراهيم، وتفاوض مع حسن بن عايض، في مقره، في حرملة. انتهت المفاوضات بإبعاد حسن بن عايض وذويه عن أبها. وأرسلوا إلى الرياض، حيث عفا عنهم الأمير عبدالعزيز، وأكرمهم. وبقي حسن بن عايض في الرياض حتى توفي بها. وبذلك، زالت إمارة آل عايض، واستتب الحكم لآل سعود في عسير.